"انفجار الشارع غير بعيد والجزائر لن تجد من يقرضها"

38serv

+ -

 يعيب أحمد بن بيتور، رئيس الحكومة الأسبق، على أعضاء البرلمان، “قبولهم الإهانة برفع الأيدي على تعديل الدستور بدون مناقشة ولا حتى تسجيل نقطة نظام”. وقال في مقابلة مع “الخبر”، إن الجزائر سوف لن تجد من يقرضها أموالا لمواجهة الأزمة، لإدراك المؤسسات المالية الدولية أنها ستعجز عن تسديد ديونها.صرحت مؤخرا أن الجزائر لن يمكنها الاستدانة من الخارج لحل أزمتها المالية. لماذا؟ الدين في جوهره إعانة لمن هو في حاجة ظرفية لتمويل، وبالتالي على طالب الدين أن يثبت أن حاجته للتمويل ظرفية لمدة معينة وأنه لديه قدرة على تسديد المال المقترض، في الآجال المتفق عليها. هناك عبارة متداولة عند أصحاب المال، هي: لا يتوفر القرض إلا للأثرياء.تريد أن تقول إن القرض يعطى للذي يملك القدرة على التسديد؟ بالضبط. أريد أن أعود إلى الفترة التي توليت فيها وزارة الطاقة في حكومة رضا مالك (1993)، وكانت الجزائر تعاني من أزمة مالية. فقبل أن أبدأ المفاوضات مع الهيئات المالية العالمية لإعادة بناء التوازنات المالية الكبرى، من المديونية الخارجية والخزينة، استغرقت عدة أشهر وأنا أجمع المعطيات التي تبرهن على قدرة الجزائر على تسديد الدين، بعد إعادة جدولة ديونها. وقد طلب مني حينها، كوزير للطاقة، أن أسافر إلى واشنطن لتحضير المفاوضات، تمهيدا لتنقل وزير المالية ومحافظ البنك المركزي.حالة الجزائر اليوم تختلف تماما عما كانت عليه في أواخر الثمانينيات. فإنتاج المحروقات في انخفاض مستمر، والطلب الداخلي للطاقة في ارتفاع منذ 2006، ما أدى إلى انخفاض محسوس في حجم صادرات المحروقات. هذا الانخفاض تزامن مع ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار. ولكن منذ السداسي الثاني من 2014 تسجل الجزائر انخفاضا في الإنتاج والتصدير، وانجر عن ذلك انكماش للمداخيل بسرعة، وبالتالي غياب القدرة على تمويل الاستيراد والميزانية.أمام هذه الوضعية، على كل جزائري أن يدرك جيدا أن طاقة تصدير المحروقات ستزداد انخفاضا فيما لن تعرف أسعار المحروقات في الأسواق الدولية ارتفاعا محسوسا في المدى المتوسط. وما هو معلوم أن المؤسسات المالية العالمية لن تقدم قروضا لتمويل عمليات استيراد المواد الاستهلاكية. أما المتعاملون التجاريون فلن يمنحوا قروضا لأي بلد ما لم يتأكدوا من قدرته على تسديد الدين في المدى المتوسط. ومهما كان، فالقرض المحصل عليه يجب تسديده في أجل لا يتجاوز 3 سنوات. ولكن تبقى إمكانية حصول الجزائر على قرض من الصين أو اليابان لتمويل إنجاز الهياكل القاعدية.اعتمدت الحكومة في قانون المالية 2016 تدابير تشجع، حسبها، على الاستثمار، وتدعو إلى عدم التركيز على رفع أسعار بعض المواد كالبنزين. هل ذلك كاف للتخلص من التبعية للمحروقات؟ اقترحت في 2011 ما أسميته رسالة برنامج، تحمل خطة للخروج من الأزمة. وأكدت على ضرورة البدء في تنفيذها في 2012 لإمكان جني منافعها في 2017، عندما تقع الأزمة المالية التي كنت تنبأت بها آنذاك، ولكن لم أجد آذانا صاغية لدى القائمين على نظام الحكم.إن تشجيع الاستثمار الذي تتحدث عنه الحكومة، يتطلب توفر ادخار من العملة الصعبة ومن الدينار والتحكم في التكنولوجيا، ويتطلب تسييرا ناجعا ومناخ أعمال نظيفا تغيب فيه البيروقراطية والرشوة والامتيازات، ويتطلب توفير العقار. لكن الواقع يقول اليوم إن الجزائر مصنفة 88 عالميا في مكافحة الفساد والمركز 163 فيما يخص مناخ الأعمال، ودخلت في السنوات العجافبفقدانها الادخار. لذلك فالحديث عن تشجيع الاستثمار أصنفه أنا في سياسة الهروب إلى الإمامكل انشغال الحكومة منصب على الإجراءات الإدارية الخاصة بتقليص فاتورة الاستيراد. هل يمكن أن يكون ذلك حلا لمشكلة نقص الموارد المالية؟ الاقتصاد الجزائري يعاني من الهشاشة ومن التبعية المفرطة لصادرات المحروقات، التي لا مفر منها لتمويل الاستيراد والميزانية. 75 بالمائة من السعرات الحرارية المستهلكة من طرف الجزائريين، مستوردة من الخارج. وفاتورة الاستيراد ارتفعت من 12 مليار دولار عام 2001، إلى 65 مليار دولار سنة 2013، ما يعني زيادة بـ 500 في المائة. ما العمل عندما يفرغصندوق ضبط الإيرادات في 2017 واستهلاك مخزون العملة الصعبة في 2018 ؟إن الجزائر اليوم بلد مفتوح على كل المخاطر، وعلى كل جزائري سواء كان مسؤولا أو خارج المسؤولية، أن يعي هذه الحقيقة وأن يتجند لمواجهة الخطر قبل حدوثه. والمطلوب في أقرب الآجال، هو البدء في تغيير النظام وليس الاكتفاء باستبدال أشخاص بآخرين.الكل متفق على خطورة الأزمة. عمليا ما هي برأيك الخطوة الأولى التي ينبغي إنجازها كبداية للخروج منها ؟قلت لك قبل قليل ينبغي تغيير النظام ككل.المشكل سياسي بالأساس إذن؟ أكيد هو سياسي. هذا النظام توفرت لديه من الأموال ما يمكّن من بناء اقتصاد منتج، ولكن لم يفعل شيئا، واليوم هو عاجز عن مواجهة المخاطر. وتغيير النظام يأتي عن طريق أربع حالات. الأولى أن يسلم النظام بنفسه أنه غير قادر على الاستمرار بسبب حالة العجز والوهن التي وصل إليها. والثاني إطلاق مفاوضات بين المعارضة والنظام، وأقصد بذلك التغيير المتفاوض عليه. والثالث حدوث انقلاب عسكري، والرابع هو انفجار الشارع.في الدولة المائعة التي نحن فيها اليوم، لا أتصور أن النظام يأخذ قرارا بتغيير نفسه. أما الصيغة الثانية، الملاحظ أن المعارضة لم تبن قوة لفرض التفاوض مع النظام. فيما يخص الانقلاب العسكري، لا أحد يريده زيادة على أنه يغيَر الأشخاص وليس النظام. تبقى الفرضية الرابعة التي أتوقع حدوثها وفي ظرف غير بعيد.ما هي ملاحظاتك حول مشروع تعديل الدستور والمشهد العام الذي صاحبه، كرأي المجلس الدستوري فيه واستدعاء البرلمان للمصادقة عليه الأربعاء؟ هذا المشروع يعكس بوضوح تسلط النظام سواء من حيث محتواه أو طريقة المصادقة عليه، التي سبق أن اتبعت في 2008 وكانت غير دستورية، إذ كان ينبغي استفتاء الشعب لأن الدستور خيار مجتمع، ويجب أن ينبثق من الأمة وليس من القمة.قال المجلس الدستوري إن التعديلات لا تمس بمبادئ المجتمع ولا بتوازن السلطات، وبالتالي لا حاجة للاستفتاء.. هل يعقل إحداث مراجعة وإضافة مواد يصل عددها إلى 100، ولا يحدث ذلك تغييرا عميقا في الدستور؟ !!. رأيي أن المجلس الدستوري يوجد في نفس الحالة التي وجد عليها في 2008، فالتعديل لم يكن دستوريا ومع ذلك تمت تزكيته. مثله مثل البرلمان بغرفتيه الذي لم يحترم قواعد الدستور وأعضاؤه قبلوا الإهانة بالتصويت برفع الأيدي بدون نقاش، ولا حتى طرح نقطة نظام.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات