38serv

+ -

فتح الاستعمال الواسع للانترنت أبوابا كانت مغلقة ووسّع حدودا كانت محروسة، ما أدى إلى انتقال الجريمة من عالمها العادي إلى العالم الإلكتروني، فكم بيتا هُدم، وكم فتاة راحت ضحية الابتزاز والتشهير ووجدت نفسها في مواجهة “فضيحة” انتشار صورها عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. وتشير أرقام مصالح الدرك الوطني، خلال السنة الماضية، إلى أكثر من 500 جريمة،300 منها كان مسرحها “الفايسبوك”، بينما أحصت مديرية الأمن الوطني 547 جريمة إلكترونية. يبحر يوميا الملايين من الجزائريين في العالم الافتراضي، خصوصا الموقع الأكثر رواجا في الأوساط الشبانية “فايسبوك”، إذ أشارت آخر الأرقام لسنة 2015 إلى أن عدد “الفايسبوكيين” فاق 12 مليون جزائري مشترك، منهم 4 ملايين يزورون الموقع الأزرق يوميا بانتظام.هذا التواجد الكبير “للفايسبوكيين” صاحبه انتقال الجريمة من عالمها العادي إلى العالم الافتراضي بشكل ملفت للانتباه، فقد أظهرت الإحصائيات الأمنية لسنة 2015 تنامي الجريمة الالكترونية بشكل كبير، إذ عالجت مصالح الدرك الوطني خلال السنة المنصرمة أكثر من 500 جريمة الكترونية، حسب ما صرح به رئيس مركز الوقاية من جرائم الإعلام الآلي والجرائم المعلوماتية والحماية منها ومكافحتها، التابعة للدرك الوطني، العقيد بن رجم لـ“الخبر”، أن أكثر من 300 جريمة رقمية كان مسرحها موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”، بينما عالجت المديرية العامة للأمن الوطني 547 قضية تعلقت بالجرائم الالكترونية الممارسة في الفضاء الافتراضي.أما فيما يخص طبيعة هذه الجرائم الالكترونية المرتكبة في عالم الانترنيت، أوضحت المصالح الأمنية بأنها تتعلق بالدرجة الأولى بالابتزاز ونشر صور مخلة لأشخاص من كلا الجنسين، وتهديدهم والمساس بشخصيتهم، وكذا القذف وانتحال الهوية وقضايا أخرى مماثلة كالنصب والاحتيال.عصابات تونسية تخطط لعمليات انتقام عبر الفايسبوكلكن تبقى الإحصائيات التي تقدمها مصالح الأمن عن معالجتها لمثل هذه القضايا بعيدا عن الواقع بحكم حساسيتها، وتعد قضية الشاب التونسي خليفي محمد الصالح، الذي تقيم عائلته في الجزائر العاصمة منذ 30 سنة، من أبرز القضايا التي استعمل فيها المجرمون موقع الفايسبوك للانتقام.وتم استدراج خليفي محمد الصالح وطعنه بسلاح أبيض كاد يودي بحياته، فقد وجد في حالة غيبوبة بإحدى قرى تيزي نبشار شمال ولاية سطيف ووجهه ملطخ بالدماء، بعد أن استدرجته فتاتان تونسيتان، إحداهما مطلقة والأخرى لا تتجاوز 18 سنة، وهما من معارف عائلته في تونس.كان الموعد في سطيف لربط علاقة غرامية، غير أن الأمر كان مجرد خطة لتصفية حسابات قديمة بين أبناء العمومة، فقد حضرت الفتاتان ومعهما أربعة شبان انهالوا على محمد الصالح بالضرب، ونجا بأعجوبة من محاولة قتل حقيقية وتم نقله إلى المستشفى، في حين تعرف على أوصاف المجرمين وتم القبض على ثلاثة تونسيين والفتاتين اللتان دخلتا بطريقة غير شرعية إلى الجزائر، زيادة على أربعة شبان آخرين من ولاية قسنطينة.الابتزاز والتشهير يعدان أيضا من أبرز الجرائم التي يعرفها الفضاء الالكتروني، فقد ألقت مصالح الأمن لدائرة عين ولمان، جنوبي ولاية سطيف، القبض على محتال اعتاد ابتزاز الفتيات، وتهديدهن بنشر صورهن الخاصة عبر الفايسبوك، حيث يملك محلا لإصلاح أجهزة الإعلام الآلي والهواتف النقالة.وكان المحتال يستعمل طرقا علمية لإعادة استخراج كل الملفات الموجودة في الجهاز، بما فيها الملفات التي تم حذفها، خاصة الصور منها، ثم يقوم بالاتصال بالفتاة عبر الفايسبوك ويهددها بنشر الصور إن لم ترضخ لطلباته التي عادة ما تكون مبالغ مالية معتبرة، ويركز في عمليات الابتزاز على الفتيات المحجبات اللائي يملكن صورا لهن دون الحجاب أو بملابس المنزل.إلا أن تماديه في الابتزاز جعل إحدى الفتيات تتوجه إلى مصالح الأمن بعد أن طلب منها 10 ملايين سنتيم مقابل عدم نشر صورها الخاصة، في وقت كانت مقبلة على الزواج، خاصة وأنها منحته مبلغا ماليا في بداية الأمر للكف عن تهديداته، فتم القبض عليه وإحالته على وكيل الجمهورية.300 قضية ابتزاز وتشهير في قسنطينةوبلغ عدد الجرائم الإلكترونية التي عالجتها عناصر الأمن الوطني بالولايات الشرقية للسنة الماضية، 291 قضية، لا تزال 83 منها لم تصل بعد إلى حل نهائي وتوقيف المتهمين فيها. وتعد فئة النساء الأكثر عرضة لهذه الجريمة بنسبة 50 في المائة، لتأتي فئة الرجال والقصّر بعدها، فيما أحيلت 208 قضية على العدالة للنظر فيها.ويعرف موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”، العديد من الملاسنات التي تظهر في الكتابات بين طرفين، منها من هي عائلية وتظهر حدتها بين الجنس اللطيف، وأخرى بغرض تصفية حسابات أو لاختلاف في الرأي حول قضية معينة، يكون فيها تبادل للشتائم و”نشر الغسيل”..ومن بين الأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب هذه الجريمة، حسب المصالح الأمنية لمفتشية الشرطة بالشرق، فهي محاولات التشهير بالأشخاص عبر موقع الفايسبوك، فيما سجلت شكاوى من طرف بعض الضحايا الذين تعرضوا للتهديد بالتشهير عبر هذه الوسيلة، عبر رسائل ترسل إليهم في حساباتهم الخاصة، وأحيانا توجيه الشتائم والسب عبر الحساب الخاص من بعض المستعملين للفايسبوك، وفضح أسرارهم أمام الجميع والمساس بحرمة الحياة الخاصة.وأفادت المصالح الأمنية أنه من بين الحالات المذكورة، ارتكب بعض الأشخاص جريمة انتحال شخصية عبر الفايسبوك، والدخول عن طريق الغش للمعطيات الخاصة، كما تعرض كثيرون لقرصنة حساباتهم الإلكترونية وتعرضهم للابتزاز عبر هذه الوسيلة.وحسب ما أفادت به خلية الإعلام على مستوى أمن ولاية قسنطينة، فقد سجلت العديد من قضايا القرصنة والتشهير ثم الابتزاز، وأغلبها متشابهة تمس القصّر والبالغين، فقد سجلت خلية مكافحة الجريمة الإلكترونية التابعة للشرطة القضائية بأمن ولاية قسنطينة، قضية تم من خلالها الوصول إلى الفاعل، فقد توجهت الضحية لدى المصلحة الولائية للشرطة القضائية، وتقدمت بشكوى ضد شخص مجهول قام بقرصنة حسابها الخاص، واستحوذ على صور لها أرسلتها لصديقتها وهي بلباس منزلي، وقد هددها بنشر صورها للعامة ووضع تعليقات مسيئة لها في حال عدم حصوله على مبلغ مالي.واتصلت الضحية بالمتهم بعد أن فتحت حسابا آخر لها وأرسلت له دعوة، وحدث بينهما حوار انتهى بابتزازها، لتقوم الشرطة بتحريات تقنية ومراقبة الموقع بإذن من وكيل الجمهورية، انتهت بتحديد الفاعل وتوقيفه ليتابع قضائيا، وقد تبيّن أن هذا الأخير لا تربطه أي صلة بالضحية ولا يعرفها.عائلات تتحاشى إيداع شكاوى خوفا من الفضيحةأما في سيدي بلعباس، فلم تعالج مصالح أمن الولاية خلال سنتي 2014 و2015 سوى قضية واحدة متعلقة بالابتزاز، باللجوء إلى تهديد الضحايا بالتشهير بهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وهي نسبة ضئيلة جدا لا تعكس حقيقة الوضع القائم، إذا سلمنا بإدمان مختلف الفئات العمرية، خاصة الشباب منهم، على التواصل الدائم مع الغير بالاعتماد على الفضاء الأزرق. وتعود أول وآخر قضية عالجتها مصالح أمن ولاية سيدي بلعباس إلى مطلع الخريف الفارط، وبالضبط يوم 17 سبتمبر 2015، حين تم إلقاء القبض على شاب تبعا لشكوى كانت قد تقدمت بها فتاة في 19 سنة من العمر، تعرضت للاختطاف تحت التهديد بالأسلحة البيضاء على يد عشريني “كان قد اعتدى على شرفها قبل تصويرها في مواضع مخلة بالحياء، مهددا إياها بإشهار صورها على “الفايسبوك” إن لم ترضخ مستقبلا لنزواته”.وكان أفراد الأمن قد وجدوا صعوبات بالغة في توقيف الشاب المتهم بعد تحديد هويته، قياسا بالمقاومة الشديدة التي أبان عنها، مع أن ذلك لم يمنع الشرطة من تفتيش المقر السكني الخاص بالمعني ومصادرة الهاتف النقال الذي تضمن الصور الخليعة لغرض التحقيق.وفي هذا السياق، اعترف المكلف بالإعلام على مستوى مديرية الأمن الولائي بسيدي بلعباس، الملازم الأول نصر الدين بلعباس، بأن المعلومات الواردة إلى مصالح الشرطة خلال السنتين الماضيتين، أفادت بوجود العديد من قضايا التشهير والابتزاز بالاعتماد على مواقع التواصل الاجتماع، إلا أن رفض العديد من الضحايا إيداع الشكاوى جعل الأمور تراوح مكانها. ويرى محدثنا بان الأشخاص المستهدفين، وغالبيتهم من الجنس اللطيف، عادة ما يتحاشون الخوض في الإجراءات القانونية، “خوفا من الفضيحة، وحفاظا على حرمة العائلات وخصوصيتها”، كما قال.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات