38serv

+ -

الاحترام قيمة إنسانية عامة أولتها البشرية عناية واهتمامًا، لكن الإسلام أعطاها مكانة كبيرة جعلتها تمتد لتشمل كثيرًا من العلاقات الّتي تربط المسلم بغيره، بل امتدّت لتشمل المجتمع والعلاقات الاجتماعية جميعها.إنّ خُلُق الاحترام من أكثر القيم الأخلاقية الّتي نعاني جميعًا من نقصانها في مجتمعاتنا المعاصرة، فالأخلاق تزرع في الأساس لدى الأطفال ثمّ يجني ثمارها في الكبر، وإنّ تعليم الطفل صفة الاحترام وقيمتها من الأمور المهمّة الّتي يجب إحاطتها بالرعاية المستمرة، وترسيخها عند الأطفال يكون في السنوات الأولى من عمره، فالطفل الّذي ينشأ على صفة الاحترام منذ الصغر يكون عضوًا صالحًا في المجتمع، وقائدًا أفضل في المستقبل. نلاحظ في مجتمعاتنا اليوم أنّ كثيرًا من النّاس يسيء الأدب مع الآخرين، لا يحترم امرأة أو شيخًا أو طفلاً صغيرًا. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ليس منّا مَن لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا”. إنّ تربية الإسلام وتعاليمه في الوقت الّذي تبني فيه فكر الإنسان المسلم ومشاعره على أساس عبادة الله وتوحيده والالتزام بدينه الحقّ، فإنّها تركّز في نفس الوقت على احترام الإنسان كإنسان مهما كان هذا الإنسان قريبًا أم بعيدًا، مؤمنًا كان أم كافرًا..واحترام الإنسان يعني حرمة حقوقه المادية كجسده وماله، وحقوقه المعنوية كحريته وكرامته واختياره لدينه، من هنا يرفض الإسلام اضطهاد النّاس على أساس دينهم أو اعتقاداتهم أو فكرهم أو مذهبهم، بل يوصي الإسلام أبناءه بأن يكونوا المثل الأعلى في الأخلاق وحسن التّعامل مع الآخرين، حتّى لا تحسب تصرّفاتهم غير اللائقة على الإسلام فتشوّه سمعته وتنفّر الآخرين منه.وإنّ القرآن الحكيم يشجّع المسلمين على البرّ والإحسان للكفار غير المعادين المحاربين، يقول تعالى: ”لاَ يَنهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}.وإذا كان مطلوب من المسلم أن يدعو إلى دينه وأن يوضّح بطلان وفساد الأديان الأخرى، إلاّ أنّ ذلك يجب أن يكون بأسلوب لائق لا يجرح مشاعر الآخرين ولا ينفّرهم، يقول تعالى: ”وَلاَ تُجَادِلُوا أَهلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُم”.وما أروع تأديب الإسلام لأبنائه وتربيته لهم على احترام الآخرين حينما ينهي القرآن الكريم المسلمين عن سبّ أصنام الكفّار وأوثانهم! لماذا؟ لأنّ الكفار يعتبرون الأصنام مقدسات لهم، وكلّ إنسان يُدافع عن مقدّساته وإن كانت زائفة باطلة، فإذا اعتدى المسلمون وأهانوا مقدّسات الكفار فستكون ردّة الفعل الطبيعية للكافرين إهانة وسبّ مقدّسات المسلمين، ولا يرضى الإسلام تبادل الإهانة والسبّ كلغة حوار وتعامل بين أصحاب الأديان.فلنتأمّل الآية الكريمة التالية ولنتدبّر في أبعادها العظيمة، يقول تعالى: ”وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ}.إنّ الاحترام مطلب كلّ إنسان ”محترم” في أيّ مؤسسة أو علاقة، في الأسرة، في العمل، في الشّارع، في السوق وفي أيّ مكان يحتاج إلى التّعامل فيه مع الآخر، فإن فُقِد الاحترام نُسِفت العلاقات وأصبحت الحياة كريهة متعِبة تشوبها المنغِّصات والحَزَن. فالمسلم يعيش وفي داخله رغبة لأن يكون محترمًا وأن يحترم الآخرين، فهو ينتظر أن يحيَا في ظلّ القِيَم الّتي ارتضاها الله جلّ وعلا للمسلمين لينعم المجتمع براحة وسكينة وسعادة.. وحين ينعدم الاحترام فمردُّ ذلك إلى انعدامٍ في التّربية الإيمانية والسّلوكية وانتشار المفاهيم الخاطئة وبُعدٍ عن الله جلّ وعلا وفهمٍ قاصر للإسلام.هذا وقد تعدّدت صور الاحترام في الإسلام لتشمل احترام النّفس بتقوى الله والابتعاد عن المعاصي وعن إيذاء الآخرين والتكبّر عليهم، واحترام الوالدين ببرّهما والإحسان إليهما، واحترام المرأة بتكريمها وعدم إيذائها أو التحرّش بها، واحترام المجتمع وقيّمه، وعدم إيذاء شعور الآخرين، واحترام أمن المجتمع وعدم الإخلال به، واحترام كبار السن، واحترام غير المسلمين بحفظ كرامتهم وآدميتهم، واحترام الأنظمة والقوانين، واحترام العلماء والمعلّمين، وذلك لدورهم في مجال التّربية والإرشاد إلى الطّريق الصّحيح، قال عليه الصّلاة والسّلام: ”ليس منّا مَن لم يرحَم صغيرنا ويوقّر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقّه”، ويقول المولى عزّ وجلّ: ”يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”. وسُئل أحد الحكام السّابقين لم تُكرّم معلّمك فوق كرامة أبيك فقال: إنّ أبي سبب حياتي الفانية ومعلّمي سبب حياتي الباقية.إنّ احترام مشاعر الآخرين والتّعامل الراقي والمتحضر معهم صناعة إسلامية، فالإسلام ألزم المسلم باحترام وتقدير كلّ مَن يتعامل معهم وتقديم كلّ عون مادي أو إنساني لمَن يحتاج هذا العون، ولذلك، فإنّ المنبهرين بسلوكيات الغربيين الحضارية عليهم أن يعودوا إلى تعاليم وأخلاقيات دينهم الإسلامي أوّلاً ويترجموها إلى سلوكيات عملية وواقع حيّ، عندها سوف يكتشفون أنّ السّلوك الحضاري لهؤلاء تعلّموه من الإسلام الّذي ربّانا على حُسن الخُلُق. وإنّ احترام الآخرين علامة تحضّر ورقي، فكلّما تعامل الإنسان باحترام مع الآخرين، حتّى ولو كانوا مخالفين له في الرّأي والفكر والعقيدة، كان متحضّرًا واتّصف بالرقي في معاملاته.ومن أجل ترسيخ هذه القيمة الحضارية في النّفوس، لا بدّ من جهود كبيرة تبدأ من داخل البيت، حيث يجب أن يقوم الآباء والأمّهات بواجباتهم التربوية، وينبغي أن تكون سلوكياتهم أمام أبنائهم نموذجًا للتحضّر والرقي، وتنطلق القيم الإسلامية أيضًا من المدرسة، فنظم التّعليم في بلادنا العربية والإسلامية يجب أن تولي منظومة القيم ما تحتاجه من اهتمام، فلا قيمة لعلم أو فكر أو ثقافة يحملها إنسان لا يحترم معها الآخرين، ويتصرّف بشكل غير لائق مع كلّ المحيطين به.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات