المنشطات تعري احتراف الكرة الجزائرية

+ -

أضحى اكتشاف حالة جديدة لتعاطي المنشطات في البطولة الجزائرية لكرة القدم بمثابة القطرة التي تفيض الكأس، وأصبح معها التساؤل حول واقع الاحتراف في الجزائر وحقيقته مشروعا، كون خير الدين مرزوقي، لاعب مولودية الجزائر، هو رابع حالة نتائج تحاليلها إيجابية في الموسم الكروي الجاري، بشكل يؤكد أن الأمر لا يتعلق بحالات شاذة. اكتشاف أربع حالات في نصف موسم في حالات قليلة يتم اختيارها عشوائيا، مؤشر خطير جدا على أن “وباء” تناول المواد المحظورة نال من جسد كرة القدم الجزائرية وطال فاعليها بوتيرة متسارعة، وجعلها تتعفن وتسير بخطى ثابتة نحو بلوغها آخر مراحل العلاج، ونعني به الكي، طالما أن الإجراءات التي حرصت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم على اعتمادها وتطبيقها بصرامة للحد من انتشار “الغش” في الوسط الرياضي، لم تجد نفعا، وأضحى أكثر ما يروج لبطولة الاحتراف في الجزائر، خلال السنوات الست الأخيرة، هو “سجل” الآفات وليس “سجل” التتويجات، كون العنف والرشوة والهياكل الرياضية القديمة والهشة، هي التي صنعت واجهات عناوين وسائل الإعلام العالمية، لتضاف إليها، اليوم، آفة جديدة، وهي المنشطات والمخدرات.سرار: لا نملك أندية محترفةولم يعد الإعلان عن الإجراءات العقابية في حق يوسف بلايلي من اتحاد الجزائر ورفيق بوسعيد لاعب أمل الأربعاء ونوفل غسيري من شبيبة سكيكدة، هو الحل الأنجع لدفع الرياضيين لمراجعة حساباتهم قبل وقوعهم في المحظور، بل إن الوضع يستدعي وقفة تأمل وتحليل لما آلت إليه بطولة الاحتراف، وفهم أسباب ذلك، كون الانتقال من الممارسة الهاوية للعبة إلى الاحتراف، يهدف في أساسه إلى التطور والتحسن، والقضاء على كل سلبيات الماضي حتى وإن اقتضى الأمر ترويض الأندية واللاعبين والجماهير على حد سواء، التي تفتقد إلى الاستعداد والرغبة والقناعة لارتداء ثوب الاحتراف.وفي هذا الشأن، يقول عبد الحكيم سرار، الرئيس السابق لوفاق سطيف، في تصريح لـ”الخبر”، أمس، “تعريف اللاعب غير الهاوي، حسب “الفيفا”، هو اللاعب الذي يملك عقدا مع فريقه ويتقاضى راتبا، وهنا أطرح سؤالا: من هو النادي المحترف؟”، مضيفا، وهو يجيب عن سؤاله: “النادي المحترف هو الذي يستجيب لدفتر الشروط حسب المعيار الدولي، ويكون لهذا النادي نصف قيمة ميزانية الموسم في حسابه في البنك، ويكون مالكا لملعب أو مالكا لعقد تسييره، وتكون له أيضا حرية التفاوض حول حقوق البث التلفزيوني، ويكون تحويل اللاعبين نحو بطولة أجنبية مدروسا بشكل يعود بالفائدة على اللاعب وعلى الفريق، وما نجده هنا تحويلا “عرب عرب” بشكل لا يطور إمكانات اللاعب، وأريد الوصول من خلال هذا الطرح إلى أن أنديتنا تغيب عنها المعايير البسيطة في الاحتراف”.ويضيف سرار: “الأندية مطالبة بمراقبة لاعبيها، والأندية الكبيرة تقوم بذلك، فلا يمكن منح 300 مليون شهريا للاعب دون مراقبته”، مضيفا متهكما على رؤساء النوادي: “تجد الشخص يمنح ملايير للاعب ولا يراقبه، لكن الشخص ذاته لا يمنح أي سنتيم لابنه ويبقى يراقبه دوما”، مضيفا: “لقد تراجعنا كثيرا، ففي السبعينات والثمانينات، كان كل فريق ملزما بإخضاع لاعبيه لفحوصات أسبوعية، ويتم إرسال التقارير الطبية إلى الاتحادية”، مشيرا أيضا: “لو تجد في الجزائر ستة أطباء مختصين في طب الرياضية، سأعترف بأن سرار لا علاقة له بكرة القدم”.ما حدث مع خير الدين مرزوقي، لاعب عميد الأندية الجزائرية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن أدنى المقومات المطلوبة في اللاعب المحترف منعدمة، ونعني بذلك الوعي، كون قواعد الاحتراف، التي تغرس في لاعبي الأندية الأوروبية منذ النشأة وتدرجهم في مراكز التكوين، غير موجودة في قاموس اللاعب الجزائري المحترف، ومن أهمها عدم تناول أية أدوية، مهما كانت، دون استشارة طبيب الفريق، من باب أنه لم يعد سرا على أحد أن العديد من الأدوية مدرجة ضمن قائمة المواد المحظورة على الرياضيين.الدكتور خالدي: هناك ممرضون في النوادي لهم قيمة أكبر من الأطباءغياب هذه الثقافة لدى اللاعب الجزائري تقودنا إلى توجيه أصابع الاتهام قسرا إلى النوادي الجزائرية، من باب أن نزعة التزعم والاحتكار غيبت دور مختلف المناصب فيها، حيث لم يتخلص المسؤولون من ترسبات التسيير الهاوي، من خلال “تقزيم” دور المدير الرياضي ومسؤول الإعلام والمدير الإداري ومسؤول اللجنة الطبية.عدم تفعيل دور مختلف اللجان، واختصار كل الأدوار والمسؤوليات في شخص رئيس النادي وحده أو بعض المسيرين الفاعلين، لم يسمح بضمان النمو الطبيعي لمشروع الاحتراف في الجزائر، ولم يتغير في بطولتنا سوى الاسم، ظلت نفس الممارسات قائمة، وحكمت على اللاعب بالبقاء خارج مجال تغطية الوعي ومقومات الاحتراف، بتزكية من مسؤولي الأندية أنفسهم، وجعلت الأطقم الطبية للأندية مجرد كماليات، وتواجدها لا يعدو استكمالا إداريا لملف الاحتراف لنيل إجازة النادي المحترف.ويقول الدكتور خالد خالدي، طبيب شباب بلوزداد، لـ”الخبر”، في هذا الشأن: “الأطباء على مستوى بعض الأندية يعملون في ظروف صعبة بسبب الفوضى، وأعترف بأن البعض من الأطباء لا يمكنهم التمتع بكل الصلاحيات في ممارسة مهامهم، وما هو مطلوب هو تواجد دائم للأطباء على مستوى الأندية، وأقصد خلال التدريبات والمباريات والتربصات، لضمان متابعة حقيقية للاعبين”.وأضاف الدكتور خالدي، الذي اشتغل سابقا في اتحاد الجزائر لعشر سنوات: “يجب أن نفرق بين المهلوسات والمواد المحظورة وبين المواد المنشطة، وبالنسبة للاعب مولودية الجزائر مرزوقي، فإنه تناول مواد منشطة محظورة، والأمر لا يتعلق بأدوية أو مقويات”، مشيرا أيضا: “أعرف طبيب مولودية الجزائر، الدكتور عبد الوهاب، إنه يملك الكفاءة، ولو بحث مرزوقي في محرك “غوغل” لفهم بأنه بصدد تناول مواد ممنوعة، من أقوى المنشطات”، مشيرا: “هناك لاعبون يتعاطون المنشطات منذ فترة، وأصبحوا مدمنين، ومن الصعب عليهم التوقف في الوقت الحالي، رغم أن قضية بلايلي جعلت العديد منهم يتوخى الحذر، ويجب انتظار سنة أو سنتين للقضاء على الظاهرة، حين يأتي الجيل الجديد الذي لم يسبق له تعاطي المنشطات”.ويعترف الدكتور خالدي بأن بعض الأندية لا تولي أهمية لعمل الطاقم الطبي، “لأن بعضها لا يحتاج الطبيب سوى يوم المباراة، كون عدم حضوره وتقديم بطاقته المهنية وتدوين اسمه في ورقة المباراة، يعني خسارة الفريق للمباراة”، مشيرا: “هناك أطباء يعانون في النوادي التي تعيش فوضى، بل إن بعض الممرضين لهم قيمة لدى مسؤولي النوادي أكثر من الأطباء”. الحسابات السياسة تقضي على أي مشروع لضمان احتراف حقيقيورغم أن الاتحادية الجزائرية لكرة القدم قطعت أشواطا كبيرة، في القضاء على هذه الآفة، مثلما سعت للقضاء على آفات أخرى حين اعتمدت على مجموعة من الإجراءات العقابية لمحاربتها، إلا أن كل مساعي “الفاف” وكل جهودها لم تكن لتغير من حال الكرة الجزائرية وواقعها التعيس، وبدا واضحا، مع مرور كل فضيحة مدوية، بأن الاتحادية لم تقم باستئصال آية آفة من الجذور، ولم تبن مشروع احتراف على أسس صحيحة، كون أي مشروع في هذا النهج سيصطدم بحسابات سياسية، تجعل من “بقاء الحال على ما هو عليه” أمرا حتميا تحت غطاء “شراء السلم الاجتماعي.”وإذا كانت الاتحادية تدرك، بشهادة أرقامها المقدمة كل موسم، أن كل الأندية الجزائرية لا علاقة لها بعالم احتراف الكرة وبأن طريقة تسييرها لا ترق حتى إلى تسيير الأندية الهاوية في كل بقاع العالم، إلا أن “الفاف” لا تتحرج في منح إجازة النادي المحترف لأندية محترفة على الورق، وهو واقع يؤكد أن “الفاف” بصدد تسيير وضع وليس معالجته.وما يعزز هذا الطرح، مراوغات رئيس الاتحادية بشأن حقيقة دور المديرية الوطنية لمراقبة الحسابات التي تم دفنها سنة 2012 برحيل محمد مشرارة الاضطراري، لقناعة الرجل بأن النية غائبة من جانب رئيس “الفاف” في إقامة بطولة محترفة بنواد محترفة على أسس صحيحة، وظلت هذه الهيئة منذ ذلك التاريخ مجرد إدارة تقدم الأرقام حول فساد الكرة الجزائرية ونواديها.وبمعنى أدق، فإن تحييد السياسة في تسيير الرياضة، يجعل من الممكن إرغام كل النوادي دون استثناء على الاستجابة فعلا لدفتر أعباء مشروع الاحتراف وتطبيق كل الإجراءات العقابية على المخالفين، ومن ثمة، تصبح الأندية مرغمة على فتح رأسمالها للمستثمرين، ما يبعد منطقيا كل المنتفعين، من المسيرين، من مشروع الاحتراف ويخلص الأندية من قبضتهم، ويجعل أيضا كل فريق مجبرا على عدم صرف الملايير دون مداخيل تغطي العجز المالي، ويجعلها أيضا أمام طريق واحد، وهو تفعيل دور كل لجانها بطريقة عملية، وتصبح اللجنة الطبية، مثلا، ذات صلاحيات واسعة لمراقبة اللاعبين، وإرغامهم بكل الوسائل المتاحة على انتهاج سلوك اللاعب المحترف الحقيقي. “الجزائر تتضامن مع من يتعاطى المخدرات..”انتقال عدوى تناول المنشطات إلى بطولة الهواة، بعد اكتشاف حالات نبيل حافظ وحسين مراكشي من اتحاد الكرمة وعثمان بسعد ومحمد طاهر حديبي من ترجي ڤالمة، يجعلنا نقتنع بأن الداء استفحال في كرة القدم الجزائرية، التي ورثت لاعبين ومسيرين من المنظومة الاجتماعية التعيسة، التي ولدت لنا، في أول ظاهرة لتناول مواد محظورة لنجم يوسف بلايلي، إجماعا على تضامن كل الجزائريين، بكل شرائحه ومستوياته تقريبا، حتى من الإعلام، مع بلايلي واعتباره “مسكينا” وليس “مذنبا”، وعوض أخذ عناء دراسة هذه الحالة والغوص في عمق داء المنشطات وشرح أسبابه والبحث عن طرق معالجته، وفهم كيفية انتشاره، بل ودق ناقوس الخطر ونشر رسالة وسط المجتمع لنبذه، فإن الطرح صب في سياق الدفاع وليس التنديد، بشكل أصبح منطقيا أن يتناول الإعلام الأجنبي، الذي تقدم بخطوات عملاقة عنا في عالم احتراف الكرة والنوادي، القضية من زاوية واحدة والقول إن الجزائر تتضامن مع من يتناول المخدرات والمنشطات والمواد المحظورة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات