38serv
قَسَمَ الله عزّ وجلّ بين العباد أرزاقهم {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} هود:6، وجعلهم تبارك وتعالى متفاوتين في ذلك تفاوتًا له فيه الحكمة البالغة والآيات الباهرة {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} الإسراء:30. إنّ من رحمة الله سبحانه وتعالى بالعبد أن يرزقه القناعة والرِّضا، وأن يوفّقه لتدبير معيشته والاستغناء عن مدّ يده لغيره، وقد كان الإمام الشّافعي رضي الله عنه يقول: “لكَنْسُ الأرض بريشتين، وحفرُ بئر بإبرتين، وغسل عبديْن أسوديْن حتّى يصيرَا أبيضيْن، أهون عندي أن أَمُدَّ يدي لغير الله يَضيع فيها ماءُ عيني”.. إلاّ أنّ بعض الناس لا يَقنع، وبعضهم لا يحسن تدبير معيشته وفق ما رزقه الله من مال، فيُنفق أكثر ممّا يأتيه، فيلجأ إلى الدَّيْن بسبب سوء تدبيره، وهو في غمرة الحياة غافل عن الآثار الوخيمة للدَّيْن.ولأن الدَّيْن حمل ثقيل وهمّ عظيم، فقد استعاذ منه سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين دعَا بهذا الدّعاء الجامع “اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّيْن وقهر الرّجال”.ونصوص الشّرع الحنيف تَدُلّ على خطورة الاستدانة، فها هو الشّهيد الّذي يُغفَر له عند أوّل قطرة من دمه، ويؤمّن من عذاب القبر وفتنة القبر، ويُشفّع في سبعين من أهله، وروحه في حواصل طير خضر في الجنّة تأوي إلى قناديل معلّقة بالعرش، يُغفَر له كلّ شيء إلاّ الدَّيْن، كما جاء في الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم “يغفر للشّهيد كلّ شيء إلاّ الدَّيْن”.وممّا يدلّ على خطورة الدَّيْن على مَن تساهل فيه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أُتي بجنازة وعلى صاحبها دَيْنٌ لم يُصَلّ عليه حتّى تقضى عنه ديونه أو يتحمّلها أحد الأحياء، فلمّا فتح الله عليه وجاءه المال كان يقضي عن موتى المسلمين. فينبغي أن يُعلَم أنّ التأخّر في سداد الدَّيْن عن الميت يُعدّ بلاء عليه، فقد روى جابر رضي الله عنه “توفي رجل فغسّلناه وحنّطناه وكفنّاه ثمّ أتينا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي عليه، فقلنا: تصلّي عليه؟ فخطا خطى، ثمّ قال: أعليه دَيْنٌ؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحمّلهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الدّيناران عليَّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حقَّ الغريمِ وبَرئَ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلّى عليه، ثمّ قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الدّيناران؟ فقال: إنّما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “الآن بردت عليه جلده” أي الآن برد جلد ذلك الميت بسبب كونه مرهونًا بالدَّيْن قبل ذلك.وينبغي لمَن ابتُليَ بالحاجة فاستدان أن يجتهد في قضاء ديْنِه سريعًا حتّى تبرأ ذمّته، ويلقى ربّه خاليًا من الدّيون، وإذا كان عند استدانته ينوي الخير ويعزم على السّداد فإن الله سيوفّقه لذلك، أمّا مَن يريد أكل أموال النّاس بالباطل والمماطلة فإنّ عاقبته أليمة في الدّنيا والآخرة، فقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم “مَن أخذ أموال النّاس يُريد أداءها أدّى الله عنه، ومَن أخذها يُريد إتلافها أتلفه الله”.كما أنّ الأغنياء إذا صبروا على المَدين المعسر سينالون أجرًا عظيمًا، روى مسلم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال “مَن أنظر مُعسرًا أو وضع عنه أظَلَّه الله في ظِلِّه”. وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول “مَن نفَّس عن غريمِه أو مَحَى عنهُ كان في ظِلِّ العرش يوم القيامة”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات