المدينة الجديدة ذراع الريش.. لن ترى النور قبل 2030

+ -

تنتظر آلاف العائلات من طالبي السكن بولاية عنابة بفارغ الصبر تحقيق حلمها في الحصول على سكن بالمدينة الجديدة ذراع الريش الواقعة ببلدية وادي العنب، على بعد 20 كيلومترا غرب عاصمة الولاية، غير أن تقدم إنجاز المشاريع السكنية المبرمجة يقابله انعدام كلي للبنية التحتية لحد الآن، ما حوّل حلمهم إلى كابوس حقيقي يقض مضجعهم كلما تذكروه. تضم المدينة التي لن ترى النور قبل سنة 2030، مبدئيا، 10 آلاف سكن اجتماعي، سجل منها 6817 سكن، حيث انطلقت الأشغال في 5817؛ 4 آلاف سكن الأشغال بها متقدمة بنسبة 70%، وعُهدت أشغالها إلى شركتين صينيتين وأخرى تركية. أما سكنات البيع بالإيجار لوكالة “عدل” فتشير التوقعات إلى إنجاز 13 ألف سكن بهذه المدينة؛ يوجد من بينها 5337 مسجلة، إذ انطلقت الأشغال منذ سنة بـ2500 سكن  ، وتبلغ نسبة تقدم الأشغال حاليا 40%، في حين لم تتجاوز نسبة الأشغال بمشروع 300 سكن من مجموع 1026 سكن ترقوي لمؤسسة الترقية العقارية نسبة 5%.وتشير المعطيات الميدانية إلى أن موقع هذه المدينة التي أنشئت سنة 2010 لا يزال عبارة عن ورشات لقطاع السكن فقط، وفي هذا الصدد يؤكد خبراء في الهندسة المعمارية، ممن التقيناهم، على النقائص المسجلة في المشاريع التي هي بصدد الإنجاز، خاصة افتقارها للنوعية، والأمر يعود حسبهم إلى الاعتماد على مهندسين متخرجين حديثا من الجامعة ويفتقرون للخبرة التي تؤهلهم لإنجاز تصاميم تتماشى مع مدينة متوسطية عصرية تستجيب لحاجيات أجيال ما بعد سنة 2050، وعليه فإن العشوائية غير مسموح بها في مثل هذه الحالة.إلى جانب ذلك، وخلال زيارتنا لورشات الأشغال، لم يتم تسجيل الانطلاق في أي مشروع لمرفق عمومي خدماتي لحد الآن.تحديات كثيرة تواجه إنجاز المشروع الحلمكشف رشيد بوقداح مدير، مؤسسة تسيير المدينة الجديدة ذراع الريش التي أنشئت بالمرسوم التنفيذي رقم 13/138 المؤرخ في أفريل 2013، أن المحيط العمراني الأول الواقع على مساحة 1344 هكتار يضم 55 ألف سكن موزع بين مختلف الصيغ، بالإضافة إلى 180 مرفق عمومي، 155 طريق و30% مساحات خضراء.وأضاف أن إنشاء أي مدينة يتطلب عاملين اثنين هما: طبيعة المدينة والكثافة السكانية التي ستضمها، وانطلاقا من هذا تم إنشاء المخطط العمراني ومعه مختلف المداخل والمخارج لتفادي الضغط الذي قد يُسجل بعد تعميرها، وتم تعيين مكتب الدراسات العمراني “إربان” ووضع المخطط المدير للتوجيه والتهيئة، حيث تم من خلاله استخراج جميع المخططات القطاعية الأربعة ذات الأهمية الكبرى، وهي السكن، المرافق العمومية، الطرق والمساحات الخضراء.وذكر محدثنا أن الأشغال في ورشات الإنجاز تسير بوتيرة جيدة، خاصة بالنسبة لمشروع ديوان الترقية والتسيير العقاري الخاص بـبناء 6817 وحدة سكنية في إطار برنامج السكن الاجتماعي. وأضاف أن مشروع إنجاز المدينة اصطدم منذ البداية بواقع مغاير يتطلب تحديات جبارة تتطلب التنسيق الجيد بين مختلف المتدخلين، وكذا العمل الميداني.مسؤولية مركزية وأخرى محلية وراء تعثر المشاريعومن جملة العراقيل التي وقفت حجر عثرة، تأخر إنشاء مؤسسة تسيير المدينة الجديدة إلى غاية 2013، ثم نصبت إدارتها بعد سنة وكأن الأمر يتعلق بالإعداد لإطلاق صاروخ نحو الفضاء، وقد كان مدير المؤسسة يعمل بتشجيع من الوالي السابق المرحوم محمد منيب صنديد على وضع التصاميم والمخططات، غير أن مرض الوالي ووفاته فيما بعد جعل تلك المجهودات مجمدة تنتظر الإفراج عنها من جديد، فتعثر المشروع 7 أشهر، إلى غاية تعيين الوالي الجديد يوسف شرفة، والزيارة الأخيرة لوزير السكن والعمران والمدينة الذي أعطى دفعا جديدا للمشاريع، بإعادة مراجعة المخطط المدير للتوجيه والتهيئة بما يتماشى مع توجيهات الحكومة للاندماج في سياسة التقشف، حيث تعكف الجهات المعنية بمشاريع التهيئة حاليا على إيجاد تركيبة مالية مشتركة بين المتعاملين المتمثلين في قطاعات الري، الأشغال العمومية والبناء، سونلغاز واتصالات الجزائر.مياه الشرب.. المشكلة الكبرى التي ستواجه السكانوفي هذا الصدد، ذكر مدير مؤسسة تسيير المدينة الجديدة أن الدراسات الخاصة بشبكات المياه موجودة، وقد كان من المتوقع إنجاز 4 أروقة لتزويد المدينة بالمياه الصالحة للشرب، خاصة أن ولاية عنابة معروفة بافتقارها لمصادر المياه، باعتبار أن سكانها يتزودون بالماء انطلاقا من سدي الشافية وماكسة بولاية الطارف، وتتوزع تلك الأروقة بين سد زيت العنبة ومحطة الشعيبة، مع إنجاز سد بمنطقة الشط بولاية الطارف، وكذا المضي في إنجاز سد حنكوش بشطايبي، خاصة أن الدراسة الخاصة به موجودة.وأضاف المتحدث أن سياسة التقشف عصفت، على الأقل في الوقت الحالي، بإنجاز أغلب هذه المشاريع، ولم يتبق للسكان الذين سيقيمون بالمدينة الجديدة سوى التزود بالمياه انطلاقا من محطة المعالجة بالشعيبة، حيث تجري الأشغال حاليا لمد القنوات على طول 24 كيلومترا.أما بخصوص تموين المدينة بالكهرباء فإن المشكلة غير مطروحة، يضيف محدثنا، خاصة أنه يوجد مصدران، وفي حالة وجود نقص سيتم الاعتماد على التموين الاستعجالي انطلاقا من محطة الكهرباء بوادي النيل، وأكد أن الأمر نفسه بالنسبة لتزويد المدينة بالغاز الطبيعي، إضافة إلى أن الأشغال جارية بشأن ربط المدينة بشبكة الألياف البصرية.مشاريع سكنية متقدمة وتجهيزات منعدمةأكد رشيد بوقداح أن طلبات تسجيل التجهيزات العمومية أنجزت، ويتعلق الأمر بـ29 مشروعا في قطاع التربية وفي الصحة سيتم الانطلاق في الأشغال الخاصة بها سنة 2016، وتخص إنجاز 8 ثانويات، 13 مجمعا مدرسيا ومتوسطات، وعيادة متعددة الخدمات، ومستشفى عمومي بـ120 سرير، ومستشفيين اثنين بسعة 60 سريرا لكل منهما لخواص، إضافة إلى مرافق للأمن العمومي والحماية المدنية، وكذا مشاريع أخرى لها علاقة ببرنامج التنمية المحلية ذات طابع خدماتي، ستكون على مستوى الطوابق السفلى للعمارات على مساحة 40 ألف متر مربع، وتعكف إدارة مؤسسة تسيير المدينة الجديدة، حاليا، على إعداد دفاتر الشروط الخاصة بها.تأخر التهيئة سيؤخر تسليم السكناتوبخصوص التهيئة، أكد محدثنا أن الملف الخاص بها لم يكن متوفرا، وهو ما أثر كثيرا في سير الأشغال بموقع المدينة، بسبب عدم انضباط بعض المتدخلين في مشروع المدينة الجديدة، مضيفا أن الدراسات الخاصة بهذا الملف تمت، وعليه فسيتم الانطلاق في الأشغال بعد إتمام دفاتر الشروط، وهنا يجب التأكيد على عامل النوعية، خاصة أن الأمر يتعلق بإنجاز مدينة جذابة بمواصفات عصرية، تجعل سكانها المرحلين من مدينة عنابة وبلدياتها الكبرى يعيشون في محيط عمراني طالما حلموا به.وهنا شدد بوقداح على أهمية الاستثمارات الخاصة، مؤكدا أنه بعد مراجعة المخطط المدير للتوجيه والتهيئة تم تسجيل 80 مشروعا استثماريا في إطار الصناعات الصغيرة والمتوسطة في قطاعات التربية، الصحة، التجارة، الشبيبة والرياضة، وقد تم قبول طلبات إنجاز 10 مشاريع عبارة عن فنادق، مراكز تجارية ومدرسة للموسيقى.من جهته، اعتبر رئيس المجلس الشعبي لبلدية وادي العنب إسماعيل بوحجيلة، أن المدينة الجديدة ذراع الريش هي امتداد لعنابة الكبرى انطلاقا من سيدي ابراهيم، لانعدام التوسع العمراني بعاصمة الولاية، وهي متنفس وحلم مواطني بلدية وادي العنب، غير أن المشاريع المبرمجة التي انطلقت أصلا سنة 2011 تعرف تأخرا كبيرا، ناهيك عن غياب كلي للبنية التحتية للمدينة.وأضاف “وادي العنب التي تعد من أكبر بلديات الولاية مساحة هي في الوقت نفسه من أفقر البلديات، خاصة بعد أن عرفت خلال العشرية السوداء عمليات حرق وتخريب لمؤسسات عمومية؛ منها مؤسسة إنتاج الفلين، مقر البلدية ومؤسسات تربوية”، مؤكدا أنه بفضل مشاريع البناء بالمدينة الجديدة تم إدماج 80% من الشباب البطال للعمل هناك.وبخصوص تعويض أصحاب الأراضي التي بنيت عليها المشاريع في إطار نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، ذكر أن الخبير العقاري انتهى من عملية التقييم، وقدر المبلغ بـ34 مليار سنتيم، ويتعلق الأمر بـ19 مواطنا مالكا لأشجار الزيتون والبرتقال. وخلص إلى أن الجهات المعنية بالمدينة الجديدة بصدد دراسة إنجاز مدينة حديثة انطلاقا من الأخطاء التي سجلت على سبيل المثال أثناء إنجاز المدينة الجديدة علي منجلي.وعليه فإن جميع المعطيات تؤكد بأن تحقيق حلم آلاف العائلات في الحصول على سكن مريح في مدينة جذابة مثلما هو مخطط له لن يكون غدا، وإذا تغاضى المسؤولون عن النقائص المسجلة، خاصة ما تعلق بنوعية العمران وعدم وجود بنية تحتية لحد الآن، وقاموا بتوزيع السكنات سنة 2017، فإن الحلم سيتحول إلى كابوس حقيقي، وستجد آلاف العائلات نفسها في منطقة تفتقر لأدنى حاجياتها الأساسية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات