أخلط الموقف الأخير لحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، الداعم لغريمه في التيار الوطني الحر، العميد ميشال عون، للترشح لرئاسة لبنان، حسابات الساسة في هذا البلد العربي الصغير والكبير بتعقيداته السياسية والطائفية والأمنية، وتحالفات تياراته مع قوى إقليمية ودولية، جاء ذلك بعد أن فاجأ زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، حلفاءه بدعم ميشال فرنجية، المحسوب على نظام الأسد في سوريا، بدل حليفه في تيار 14 آذار سمير جعجع، الذي رد بدعم خصم تيار المستقبل المحسوب على السعودية بدعم خصمهم اللدود في تيار 18 آذار ميشال عون، حليف حزب الله ونظام الأسد.ويشرح مستشار رئيس حزب القوات اللبنانية، العميد الركن، وهبي قاطيشة سبب هذه المبادرة التي أطلقها جعجع بترشيحه لعون، مشيرًا “إلى أنها تعود إلى فريق 14 آذار الذي لم يسارع إلى ترشيح الدكتور سمير جعجع، لا بل فضل النائب سليمان فرنجية عليه”، ويؤكد أن القوات اللبنانية تفضل أن تكون الرئاسة بيد العماد ميشال عون، ولا أحد سواه، لكونه يمثل الأغلبية المسيحية على الساحة اللبنانية، ولكونه يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين، بعكس موقف حليفه تيار المستقبل الذي رشح النائب سليمان فرنجية. وأشار مستشار جعجع إلى أن الحريري لم يستشر القوات اللبنانية بهذا الخصوص، واتخذ موقفه بمعزل عن رأي القوات، ويلفت قاطيشة إلى أن هذا الإعلان لن يغير في المشهد السياسي على الإطلاق، لكون القوات متمسكة بخيار 14 آذار، إلا إذا قرر أي طرف أن يغير موقفه. ويقول: “موقفنا في بناء الدولة ومن التدخل في سوريا واحد، وموقعنا مع الدول العربية واضح وهو مصير واحد”.فتبادل المواقع بين الأحزاب والطوائف اللبنانية في كل تكتل من شأنه هذه المرة زحزحة الأزمة اللبنانية، وتوفير النصاب المفقود لاجتماع مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، والمقرر هذه المرة في 8 فيفري 2016، بعد تأجيل جلسة انتخاب الرئيس 34 مرة طيلة أزيد من عام ونصف، والنصاب المطلوب هو 85 مقعدا من أصل 127 بعد وفاة النائب ميشال حلو، أما الغالبية المطلقة فهي 65 نائبا.وعلى الرغم من أن بعض القوى السياسيّة ترى أن الوضع الإقليمي لا يسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما عبّر عنه وزير الداخليّة، نهاد المشنوق، بصريح العبارة بعد زيارته جعجع، منذ نحو أسبوع، لكن مع افتراض أن “حزب الله” و«التيار الوطني الحرّ” قررا وقف مقاطعتهما جلسات انتخاب الرئيس، وعُقدت الجلسة، فإن الدستور ينص في مادته 49 على أن “ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”. وفي حالة المجلس النيابي الحالي، فإن غالبية الثلثين هي 85 نائباً من أصل 127، أما الغالبية المطلقة، فهي النصف زائداً واحداً، أي 65 نائباً. وانطلاقاً من الموقف السياسي الحالي لكل كتلة نيابية، فإن مؤيدي ميشال عون (47 صوتاً)، ينقسمون على “التيار الوطني الحر” (18 نائباً)، و«حزب الله” (13 نائباً)، و«القوات اللبنانية بـ(8 نواب)، وحزب “الطاشناق (نائبان)، و«الحزب القومي السوري (نائبان)، وأخيراً أربعة نواب مستقلين. أما مؤيدو سليمان فرنجية، ومجموعهم (75 نائباً)، فهم “تيار المستقبل (32 نائباً)، و«اللقاء الديمقراطي” (11 نائباً)، يضاف إليهم نواب “حركة أمل” وعددهم (13 نائباً)، ونواب “كتلة المردة” (5 نواب)، ونواب كتلة الرئيس نجيب ميقاتي (نائبان)، ونائبان للحزب الديمقراطي اللبناني واثنان لحزب البعث، بالإضافة إلى نائب واحد عن كل من “الجماعة الإسلامية” و«اليسار الديمقراطي” وحزب الوطنيين الأحرار، وخمسة نواب مستقلين. ويبقى قرار حزب الكتائب الذي تبلغ كتلته 5 نواب غير محسوم بعد.ونتيجة هذه العمليّة الحسابيّة حسب موقع “العربي الجديد”، فإن الكفة تميل لصالح فرنجية، الذي رفض “حزب الله” انتخابه، لأنه اعتبر أن ذلك “يؤدي إلى عودة الرئيس سعد الحريري إلى البلد”، وقد أعلن رئيس كتلة الحزب النيابيّة، وعضو مجلس الشورى محمد رعد، موقفاً رافضاً لعودة الحريري إلى البلد، واعتبر في خطاب له أعلن فيه رفض مبادرة انتخاب فرنجية رئيساً، أن “المسألة ليست مسألة شخص نسلّمه موقعاً في رئاسة الجمهورية ثم لا يجد صلاحيات يستطيع أن يحكم بها البلاد، لأن كل الصلاحيات مصادرة من الشخص الموكل (الحريري) بحفظ سياسات هذه المملكة أو تلك الدولة (في إشارة إلى السعودية)”.لكن إذا انضم نواب حركة “أمل” الشيعية المتحالفة مع حزب الله (13 نائبا) لتحالف ميشال عون، وأضيف لهم نواب اللقاء الديمقراطي الدرزي بقيادة وليد جنبلاط، المعروف بتقلب مواقفه، والذي سبق له وأن تخلى عن 14 آذار وانضم إلى تحالف 18 آذار، فإن تحالف ميشال عون سيحصل على 70 مقعدا مقابل 52 مقعدا لسليمان فرنجية، ما يجعل التكهن بنتائج الانتخابات المقبلة غير محسومة لأي طرف ومرهونة بتحالفات صعبة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات