+ -

إنّ ممّا ابتُليت به الأمّة داء خطير ومرض عضالا، صار من الصّعب على النّاس أن يتركوه أو يبتعدوا عنه، فهُم قد أدمنوا عليه لدرجة كبيرة، فأصبح الكثير من النّاس معتمدًا عليه أكثر من الطعام والهواء والشراب، إنه مسواك الشّيطان. التّدخين، هذا السمّ القاتل الّذي حصد أرواح الملايين من البشر، ولا زال ضحاياه يتساقطون يومًا بعد يوم، وشاع بين النّاس أن تعاطي التّدخين مكروه فقط، لكن لمّا تطوّر الطب أدرك الجميع أنّ للتّدخين أضرارًا عظيمة، وأن عواقبه على جسم الإنسان وخيمة، تؤدّي في الأخير للوفاة، عندها أفتى الكثير من أهل العلم بحُرمة تعاطي التّدخين، وأن صاحبها إن مات بسبب التدخين فهو منتحر.لقد ورد الوعيد الشّديد في الكثير من أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بأن العبد الّذي يقدم على جريمة الانتحار خالد مُخَلَّدٌ في نار جهنّم “مَن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومَن تحسَّى سمًّا فقتل نفسه فسُمُّه في يده يتحسّاه في نار جهنّم خالدًا مُخلّدًا فيها أبدًا، ومن تردّى مِن جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدًا مُخلّدًا فيها أبدًا”، فقد دلّ هذا الحديث على أن مَن أقدم على قتل نفسه بارتكاب أحد تلك الأفعال أو ما كان في معناها، فإن عقوبته العذاب في جهنّم بنفس الفعل الّذي أجهز به على نفسه، فمن ألقى نفسه من مكان مرتفع أو موقع شاهق أو ضرب نفسه بحديدة كالسّيف أو السكين أو نحو ذلك، أو تناول مادة سامة فأدّى ذلك إلى موته، فإنه يعذّب في النّار بفعلته الشنعاء، وظاهر هذا الحديث يدل على خلوده في النّار وبقائه فيها معذّبًا أبد الآبدين: “فهو في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا”.وكلّ مَن يقدم على شيء من ذلك فإنما هو لضعف إيمانه وغفلته عن خالقه، وعدم التجائه إليه عند إصابته بشيء يسوؤه، ورد في الصحيح: “كان برجل جراح، أو كانت به قرحة بوجهه، فلمّا آذته انتزع سهمًا من كنانته فنكأها (فجَّرها)، فلم يقف الدم حتّى مات، فقال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، قد حرّمت عليه الجنّة”.والتدخين سُمٌّ من السّموم القاتلة المؤدية للوفاة، وآفة التدخين صارت ظاهرة آخذة في الانتشار والاتساع بين النّاس، ومن مختلف الأعمار حتّى إنك لترى صغار السن يتعاطونه، بل وحتّى النسوة أصبحن يدخنَّ، فيا من ابتليت بهذه الآفة جاهد نفسك، واعزم على الإقلاع، وحاول أن تستر نفسك فلا تدخن أمام أبنائك أو زوجتك حتّى لا يقلّدوك، وإن كنت من أهل القدوات فلا تدخنّ أمام طلابك وتلاميذك حتّى لا يتعلّموا منك هذه الآفة الخطيرة: “إذا ابتليتُم فاستَتِروا”.قد يقول قائل: أنا عندي القدرة على مواجهة المرض عند نزوله، أواجهه بالأموال الّتي عندي، أواجهه بالمسكنات، أواجهه بالحقن المخفّفة للألم، والجواب: لماذا تتعاطى ما من شأنه أن يكون سببًا في مرضك، حتّى تبحث عن العلاج؟ فهلا دفعت هذه الأموال إلى أرامل أو أيتام أو مساكين وأصحاب حاجات، تكون مأجورًا عليها، بدل أن تبذر هذه الأموال فتشتري بها سمومًا، ثمّ تشتري دواء لتعالج بها تلك السّموم، تالله إنّها السّفاهة حقًّا.فانظر -رعاك الله- إلى ضحايا التدخين كم جنوْا على أنفسهم، فمنهم مَن أصيب بالعمى، ومنهم من صار أبكم، ومنهم من بُترت رجله، ومنهم مَن وُضع له ثقب في رقبته كي يتنفّس، ومنهم مَن تفحّمت رئتاه، والأخطر من هذا وذاك الإصابة بمرض السرطان، اسأل أيّها المدخّن ضحايا التدخين، كم أسرفوا من أموال من أجل استعادة صحّتهم، وهيهات، فالكثير منهم دفع الأموال الطائلة وطاف المستشفيات لكن دون جدوى، والعاقل مَن أخذ العبرة من غيره: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}..ربّنا سبحانه وهبنا الصحة والعافية، فلماذا نعبث بها؟ لماذا نورد أنفسنا موارد الهلاك؟ حرام عليك أيّها الفاضل أن تزهق نفسك، حرام عليك أن تهدم بنيان جسدك: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، حاوِل جاهدًا الإقلاع عن التدخين، وادع ربَّك أن يعينك على ذلك، وجالس الأخيار من أصحابك، واتّخذ قرارًا لا رجعة فيه.حافظ على صحّتك، حافظ على أموالك، فأنت ستسأل عن كلّ ذلك، في الصّحيح “لا تزول قدمَا عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات