الهوشة الجارية الآن بين جنرالات جانفي 1992، تشبه الهوشة التي جرت بين جنرالات الثورة وجنرالات الطابور الخامس، في نهاية الثمانينات، حيث انعطف الرئيس الشاذلي في 1989 بسياسته نحو جماعة الطابور الخامس في الجيش، تحت تأثير أحداث أكتوبر.. وتحت تأثير تذمر الأفالان من الشاذلي بسبب استعماله الجيش في ترتيب الأوضاع الناجمة عن أحداث أكتوبر 1988.الآن.. الرئيس بوتفليقة يلعب نفس اللعبة التي لعبها قبله الشاذلي بخصوص التعامل مع الجيش، أي الجناح الموالي للرئيس في الجيش، وكذلك بقايا العكاز السياسي للحكم والذي هو الجبهة.“الجانفريست” أحسوا أن الرئيس يحضّر لهم مفاجأة غير سارة، قد يستخدمها بعد تمرير الدستور لبناء أسس مرحلة جديدة على حسابهم، أي بناء مصداقية لمن يأتي بعد الرئيس لخلافته، بنبش ما كان “الجانفريست” يقولون إنه قُبِر بقانون المصالحة... فالمعركة بين جنرالات جانفي ليست بالتأكيد حول من يتحمّل المسؤولية في ارتكاب ما ارتكب في جانفي 1992 وما بعده... لكن المعركة الجارية تشير إلى الإجابة عن السؤال الثاني وهو: هل المؤسسة العسكرية مايزال لها الحق الإلهي في تعيين من يخلف الرئيس بوتفليقة أم لا؟!“الجانفريست” يقولون لابد أن يعيد الرئيس بوتفليقة الأمانة الرئاسية إلى أصحابها، وليس له الحق في أن يتولى هو عوض الجيش تحديد ملامح من يخلفه.. وأن اللعب بملف شرعية ما حدث في جانفي 1992 لا يعطيه الحق في أن يكون هو البديل الشرعي في تعيين الخليفة، لأنه هو نفسه كان ثمرة من ثمرات جانفي وما تلاه.الشاذلي في 1992 أراد أن يخرج عن طوع الجيش بالذهاب إلى تمدين الحكم بالديمقراطية، فكان مصيره العزل.. وبوضياف أراد أن يخرج عن طوع الجيش في ممارسة الحكم في ملف الأمن وتعيين الحكومة ومعالجة ملف الصحراء الغربية، فكان مصيره أسوأ من مصير الشاذلي!وكافي أراد أن ينعطف بالحكم نحو الجبهات الثلاث، من خلال فتح الحوار معها، فأرسل وزير الدفاع إلى الشيوخ، وأرسل مهري إلى الدا الحسين، واتفق الجميع على عقد لقاء رباعي فيه السلطة والجبهات الثلاث، فكان مصيره أن امتدادات الجيش في الصحافة والمجتمع المدني والسياسي قالت لكافي: “يا كافي عام كافي”! بل وسحبوا منه الحوار وأسسوا لجنة من الجنرالات لإدارة الحوار، فيها ثلاثة جنرالات هم الطيب الدراجي وتواتي وتاغيت، وفيها أشباه سياسيين... ففهم كافي أنه عاش من عرف قدره، فانسحب وهو يردد “عاش من عرف قدره”... وندم، رحمة الله عليه، أن قبل بأن يكون واجهة لهؤلاء.نفس القضية حصلت مع زروال، رغم أنه منهم، إلا أنه حوصر في الرئاسة، لأنه حاول أن يأخذ أمور الجيش بيده، فحدث له ما حدث للشاذلي وبوضياف وكافي، ولكن بدرجة أقل.. !اليوم أيضا ظهر للعيان أن بقايا شرعية “الجانفيين” في المؤسسة العسكرية، تريد إخراج بوتفليقة من النافذة، وأن حكاية تمدين الحكم التي يريد استخدامها لفرض من يخلفه، لا يمكن أن تمر بسهولة، حتى ولو استخدم ملف العشرية الحمراء ضد هؤلاء، لهذا فإن فضح هذا الملف الآن هو سحبه من دائرة “الشانطاج” الذي قد يستخدمه الرئيس ضدهم[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات