قد يرى القارئ في ما أكتبه اليوم نوعا من الابتذال بالنظر إلى المشاكل الكبرى التي تعيشها البلاد، وتتطلب الاهتمام بها كأولوية مطلقة تتقدم على المسائل الخاصة بالأفراد. لكن بعض القضايا الخاصة بالأفراد تحمل في طياتها صورة أخرى عن الانسداد في جهاز التظلم الوطني، وتحمل حالات بائسة من الضلال والتضليل للإعلام والإعلاميين.حكى منذ سنوات الزميل نصر الدين قاسم قضية تشكي الوزير الأول الأسبق عبد الحميد براهيمي من حرمانه من حقوقه في جواز سفر وماهيته من صندوق التقاعد، وكان ذلك خلال لقائه في الدوحة على هامش لقاء إعلامي بقناة الجزيرة، هزني الخبر وقتها وتعجبت كيف تمارس مثل هذه الممارسات ضد وزير أول من طرف الرئيس بوتفليقة الذي أعرف أنه حسّاس لمثل هذه القضايا، باعتباره كان ضحية لمثل هذه الممارسات.. وكتبت ما كتبت حول الموضوع في حينه، أشجب هذه الممارسات ضد رجالات الدولة، وبعدها بأسابيع جاءني رد الفعل من الجهتين.علمت أن الرئيس بوتفليقة أصدر أوامر بتسوية القضية.. وتم تسوية ماهية السيد عبد الحميد براهيمي مع دفع كل مستحقاته المتأخرة.. وعلمت أن القنصلية الجزائرية في لندن اتصلت به بشأن تسليمه جواز السفر.. وعلمت من شقيق الوزير الأول محمد الميلي أن المعني اعتبر هذه اللفتة في الكتابة، ربما تكون حدثت مني بمهماز من الرئاسة! والحقيقة خلاف ذلك تماما.. فأنا لم أذكر حتى اسم الصحفي الذي استقيت منه الخبر آنذاك.. وكانت القضية مبادرة مني في سياق أداء واجبي المهني في ملاحقة الظلم والظالمين، وظننت أن المسألة طويت.. لكن منذ أيام التقيت أحد الصحافيين التونسيين، فأثار معي القضية نفسها وتعجبت من الأمر وأثرت الموضوع من جديد. لكن هذه المرة جاءني رد فعل من مصدر مقرب من الرئاسة قائلا: إن ما كتبته غير صحيح وإن مسألته قد سويت بأمر من الرئيس، وإن المعني رفض أخذ جواز السفر العادي من السفارة في لندن، مطالبا بالجواز الدبلوماسي.. والموظفون في السفارة قالوا: نحن في السفارة لا نسلّم جواز السفر الدبلوماسي، بل نسلّم فقط العادي.. والوزارة هي التي تسلّم جواز السفر الدبلوماسي.اتصلت بالمعني هاتفيا لأول مرة، فقال لي: “إن هذا لم يحدث وإنه طالب بجواز سفر لينتقل به إلى الجزائر.. وذهب إلى أبعد من ذلك فقال: إنه طلب منهم “فيزا” للدخول إلى الجزائر على جواز سفر بريطاني، فرفضوا منحها إياه! وأشهد أن اتصالي الهاتفي معه كانت فيه “حشرجة” تدل على أن هناك طرفا ثالثا يستمع إلى ما نقوله!وهنا لابد أن نتساءل.. ما الذي يجعل مسؤولا سابقا بحجم عبد الحميد براهيمي، وهو في هذه السن (80 سنة)، يتقوّل على مصالح سفارة بلاده في لندن؟! أو ما الذي يجعل هذه السفارة تتصرف معه بهذا الشكل البائس؟! إذا كان أحدهما صادقا فيما قال، والآخر يمارس الكذب؟!أتمنى أن أكون قد نقلت لكم صورة تقريبية لحقل الألغام التي نعمل فيها كصحافيين، نناهض الظلم والتظليل.. ونرفض أن نكون بوقا لغير الحقيقة[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات