يقول الإمام ابن عليوة رحمة الله عليه في كتابه “المِنَح القدوسية” وهو شرح لمتن الإمام ابن عاشر رحمه الله على طريقة الصّوفية الكرام، عن دلالات الرّكوع والسّجود عند رجال الله الكاملين “الرّكوع وهو الانحطاط الكلّي المُسمّى عند القوم بالفناء ويعبّرون عنه بمحو الأفعال وكذلك الصّفات والأغراض الدّنيوية والأخروية والدّرجات والمقامات حتّى يكون العبد في هذا المقام بلا مقام. كما قال تعالى: “يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مَقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا”، والمراد بالرّجوع الرّفع من الرّكوع وهي الفريضة السّابعة إلاّ أن ذلك الرّجوع يكون بربّه لا بنفسه فتصير أفعاله وأقواله كلّها بالله أي صادرة منه ومعمولة إليه. وقد قال بعضهم في هذا المقام: إنّ العارفين قيامهم بالله ونظرهم إليه قد تولّى الله أمرهم إذا صدرت منهم حسنة لا يرجون ثوابًا عليها وإذا صدرت منهم سيّئة، فالديّة على القاتل لأنّهم لا يرون لأنفسهم فعلاً مع فعل الله”.قلت: “هذا المقام صعب المرتع لا يتكلّم فيه إلاّ مَن ذاقه وحقّقه وأخوف ما يَخاف على المبتدئ في هذا المسلك الغميض ولا ينجى منه إلاّ مَن أخذ الله بيده لأنّهم قالوا رضي الله عنهم:وبعد الفنا في الله كن كما تشاء*** فعلمك لا جهل وفعلك لا وزرفلهذا يخاف على مَن لم تحط به العناية الإلهية”.وعن دلالات السّجود يقول رضي الله عنه: “السّجود وهو منتهى المقصود من المصلّى كونه عبارة عن انحطاطه من درجات الوجود إلى أسفل العدم، وهذا الانحطاط هو المسمّى عند القوم بمحو الذّات في الذّات، وغاية قرب المصلّي من ربّه حالة سجوده. ومن هنا خاطب الحقّ عزّ وجلّ صاحب هذا المقام بقوله: “وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات