“.. لماذا لا تذكر الإيجابيات التي جاء بها تعديل الدستور، وتذكر فقط السلبيات.. لماذا هذه العدمية في كتاباتك؟!”.مواطننعم.. لقد حاولت أن أبحث عن إيجابية واحدة في هذا التعديل الدستوري ولم أجدها، فالدستور الجديد دستر عملية التزوير للانتخابات بإنشاء لجنة لمراقبة الانتخابات، ودستر العنف بين الجزائريين عندما دستر حكاية المصالحة، ودستر الرشوة عندما نقل مراقبة هذه الظاهرة وقمعها من القانون إلى الدستور. ودستر الرداءة في تسيير البلاد عندما عدّد المجالس والأكاديميات بطريقة تعكس تعميم التمييز وسوء التسيير! وكل هذا تم لأن الذين أشرفوا على التعديل لا علاقة لهم بالدستور والقانون.أولا: هل يعقل أن يدستر عاقل ظاهرة تزوير الانتخابات بواسطة تكوين لجنة دائمة لمراقبة الانتخابات، لتصبح جزءا من النظام التأسيسي الدستوري، والحال أن عدم تزوير الانتخابات يجب أن يكون مهمة مرتبطة بالإرادة السياسية للسلطة وليس عملية تفرض من خارج السلطة.. لو كان هؤلاء لهم علاقة بالقانون الدستوري لأدرجوا هذا المطلب الذي جاءت به المعارضة كإجراء استثنائي يدرج تحت بند أحكام انتقالية، حيث تشكل لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات الحرة والنزيهة مرة واحدة، ثم تحل لتتولى المؤسسات الدستورية المنتخبة بعد ذلك المهمة (البرلمان والحكومة والرئاسة... وكل مصالح الدولة) لكن دسترة لجنة مراقبة الانتخابات بصفة دائمة في الدستور معناه أن التزوير يبقى قضية دائمة تمارسه المؤسسات الدستورية.. من الرئاسة إلى الحكومة إلى أجهزة الأمن وتحت أنظار العدالة.. ومهمة اللجنة هي منع حدوث ذلك.. هل هذا أمر معقول؟! أليس هذا معناه دسترة التزوير عبر دسترة محاربته بهذه الصورة البائسة؟! تماما مثلما تحارب لجنة قسنطيني ما تقوم به السلطة من مناكر في مجال حقوق الإنسان؟! لماذا لا توجد لجنة لمراقبة الانتخابات في فرنسا أو أمريكا أو بريطانيا؟! والجواب واضح.. لأن التزوير هناك جريمة ومعرة سياسية ومحاربته إرادة سياسية وليس تحايلا على الرأي العام، كما هو الحال عندنا. ما أتعس دستورا ينص على محاربة التزوير الذي تقوم به السلطة؟!ثانيا: لا يمكن أن نفهم كثرة المجالس والأكاديميات التي أتى بها الدستور الجديد، إلا في سياق تعميم وتوسيع رداءة التسيير !ولم يبق سوى إنشاء مجلس أعلى لتحسين وترقية الرداءة؟ !ماذا تفعل الحكومة والرئاسة والبرلمان وكل مؤسسات الدولة، إذا كانت قطاعات الشباب والثقافة والتعليم واللغة والدين وغيرها، تنشأ لها مجالس لا مهمة لها سوى تمييع القضايا وتحويل الأمور إلى “مقاعد” وليس مجالس؟!ثالثا: هل يعقل أن تتحول المصالحة، التي هي حالة عرضية في تاريخ الأمة، إلى شيء خالد في الدستور؟!الرئيس بوتفليقة لم ينجز شيئا ذا قيمة طوال حكمه غير هذه المصالحة، فقرر أن يحوّلها إلى إنجاز دستوري.رابعا: الرشوة والسرقة وسوء التسيير للمال العام حالات محدودة وعارضة في سير المؤسسات، فكيف تتحول عندنا إلى مبدأ دستوري ندرجه في الدستور، ولا نحس بالخزي والعار أمام الدول الأخرى التي ترى هذا العبث في تسيير دولة الجزائر.وفي الختام.. هؤلاء قاموا بصب جهلهم ومحدودية كفاءتهم في تصور دستور مقبول للدولة، فقاموا بتعميم الرداءة بصورة تجعل من الدستور قاعدة لفوضى عارمة في الحياة العامة لسنوات قادمة.. إنه العبث فعلا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات