38serv

+ -

“تقدر تشهد معايا.. بلي مرتي ما تخدمش” عبارة استوقفت بالتأكيد الكثير منا مرة على الأقل في البلدية، أين يطلب غرباء “خدمة” لوجه الله، بالإمضاء على وثيقة شهادة دون وجود معرفة مسبقة بين الطرفين، لكن ما لا يعلمه الكثيرون أنها “شهادة ملغمة” قد تقود صاحبها إلى السجن.يتكرر يوميا في البلديات، مشهد الباحثين عن شهود “احتياطيين”  بين قاصدي البلدية، للحصول على شهادتهم على وثيقة ما، ولا يهم إن لم يكن بينكما سابق معرفة، المهم الحصول على إمضاء منك ورقم بطاقة تعريفك.ولأن هذا المشهد روتيني، لم يكن صعبا “رصد” بعض الحالات في جولة بين بلديات الجزائر العاصمة، مثلما هو الحال في بلدية القبة بالعاصمة، أين أخذت مكانا بين طوابير المنتظرين لوثائق الهوية في بهو البلدية، وما هي إلا لحظات حتى تقدّم رجل يبدو في العقد الرابع، طلب من شيخ ستيني كان جالسا بالقرب مني، أن يساعده بالإدلاء بشهادته في وثيقة عدم تقاضي أجر، بدا الأمر عاديا بالنسبة للشيخ الذي همّ بالنهوض قبل أن يستوقفه ابنه “وين راك رايح الشيخ وعلاش أرواح واشهد !”، كلمات استفزّت الطرف الآخر الذي قال إن الأمر لا يتعدى إمضاء بسيطا، وراح يقسم بأنه لا يعمل، غير أن الشاب العشريني وضع حدا للمحادثة ببضع كلمات “خويا شوف جهة أخرى بابا ما يعرفك ما يشهد معاك”.انصرف صاحب وثيقة عدم تقاضي أجرا إلى حال سبيله ليبحث عن شاهد آخر، والغضب باد على ملامحه، بينما بادرت الشاب بالحديث، وسألته لماذا رفض أن يترك والده يمضي على الوثيقة، فقال إنه ليس مجنونا ليورّط والده في أمر مجهول “يا أختي من يدري، أنا لا أعرف هذا الشخص، وما أدراني أنه يعمل أو لا يعمل، شهادة الزور صعب أمام الله وأمام الدولة”.تركت بلدية القبة إلى بلدية حسين داي، وأنا أتجول بين الشبابيك، لم يمض وقت طويل حتى استوقفتني شابة كانت رفقة والدتها، لتطلب مني الشهادة على وثيقة عدم تقاضي أجر، ابتسمت وأجبتها بأني لا أعرفها ولا يمكنني ذلك، لترد والدتها “يا ابنتي راك تشوفي فيّا نبان نخدم؟” استمالتني كلماتها وكدت أن أنسى نفسي وأنصاع لطلبها، قبل أن أجد مهربا بالتحجج أنني لا أحمل بطاقة الهوية، حجة لم تقنعها طبعا فانصرفت غاضبة قبل أن تبادرني سيدة كانت تقف بالقرب مني “يا ابنتي زين ما اعملتي، ابن جارتي تورّط بسبب إمضاء في البلدية في قضية كادت تدخله السجن”.حديث المرأة فتح نقاشا كنت أبحث عن سبيل للخوض فيه، إذ تدخّل شاب كان بصدد استخراج وثائق الحالة المدنية، واستطرد قائلا: “مجنون من يمضي فقط على وثائق لا يعرف صاحبها، شقيقي قضى أشهرا في السجن فقط لأنه تطوع للشهادة على وثيقة عدم إعادة الزواج، ليتبيّن أن السيدة التي شهد لصالحها أعادت الزواج واستفادت من الوثيقة لتستمر في تقاضي منحة زوجها السابق المتوفى”.وهو نفس ما ذهبت إليه عجوز، قالت إن أحد معارفها دخل السجن في قضية مماثلة. وأكيد هذا ما يقودنا إلى التفكير ألف مرة قبل الشهادة على وثيقة نجهل صاحبها، فقد نكون شهود نية ونقع ضحايا لمحتالين عابري سبيل.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات