إنّ الدّعوة إلى الله تعالى وظيفة رسل الله عليهم الصّلاة والسّلام، وكفى بذلك فضلاً وفخرًا وشرفًا، وقد أمر بها ربُّنا سبحانه وتعالى نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن}. الدّعاة هم خير هذه الأمّة على الإطلاق، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنَكَرِ}.. والدّعاة إلى الله أجرهم مستمر ومثوبتهم دائمة، روى مسلم وأصحاب السنن أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور مَن اتّبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا”. ويكفي الدّعاة فخرًا وخيرية أن تسبّبهم في الهداية خير ممّا اطّلعت عليه الشّمس وغربت، قال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: “فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمُر النّعم” رواه البخاري.والدّعوة إلى الله فن يجيده الدّعاة الصّادقون، كفن البناء للبناة المهرة، وفن الصناعة للصنّاع الحُذاق، وكان لزامًا على الدّعاة أن يحملوا هموم الدّعوة، ويجيدوا إيصالها للنّاس، لأنّهم ورثة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. لذا فإنّ على الدّعاة والخطباء آدابًا لا بُدّ أن يتحلّوا بها، منها:-الإخلاص في الدّعوة، لأنّ الإخلاص في العمل هو أساس النّجاح فيه، لذا فإنّ على الدّعاة الإخلاص في دعوتهم وأن يقصدوا ربّهم في عملهم، وألاّ يتطلّعوا إلى مكاسب دنيوية زائلة إلى حُطام فانٍ، ولسان الواحد منهم {قُلْ مَا أَسْأَلُكمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ}، فلا يطلب الدّاعي منصبًا ولا مكانًا ولا منزلة ولا شهرة، بل يريد وجه الواحد الأحد.-عدم اليأس من رحمة الله، إذ يجب على الداعية ألاّ يغضب إن طُرح عليه شاب مشكلته، وأنّه وقع في معصية، فقد أُتيَ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم برجل شرب الخمر، فلمّا أتي به ليقام عيه الحدّ قال بعض الصّحابة: أخزاه الله، ما أكثر ما يؤتى به! فغضب عليه الصّلاة والسّلام وقال للرّجل “لا تَقُل ذلك، لا تُعِن الشّيطان عليه، والّذي نفسي بيده، ما علمتُ إلاّ أنّه يُحبّ الله ورسوله” أخرجه البخاري.فما أحسن الحكمة وما أعظم التّوجيه، لذلك نقول دائمًا: لا تيأس من النّاس مهما بدرت منهم المعاصي والمخالفات والأخطاء. وينبغي على الدّاعية أن لا ييأس من استجابة النّاس، بل عليه أن يصبر ويثابر ويسأل الله لهم الهداية في السّجود ولا يستعجل عليهم.-عدم الهجوم على الأشخاص بأسمائهم، فلا ينبذهم على المنابر بأسمائهم أمام النّاس، بل يفعل كما فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول “ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا”. فيعرف صاحب الخطأ خطأه ولكن لا يُشهّر له، فلا يُبدِّع أحدًا ولا يُفسّقه ولا يكفّره، بل يدعوهم إلى التّوبة وتصحيح الخطأ وبيان وجه الخطأ.-الدّاعية لا يزكّي نفسه عند النّاس، بل يعرّف أنّه مقصّر مهما فعل، ويحمد ربّه سبحانه وتعالى أن جعله متحدّثًا إلى النّاس، مبلّغًا عن رسوله، فيشكر الله على هذه النّعمة، فإنّ الله قال لسيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}، فلا يأتي الخطيب والدّاعية فيزكّي نفسه يقول: أنا آمركم دائمًا وتعصونني! وأنهاكم ولا تمتثلون نهيي؟! فيخرج نفسه من اللّوم والعقاب، وكأنّه بريء!-عدم الإحباط من كثرة الفساد، فلاّ يُصاب بخيبة أمل، فهو يرى الألوف المؤلّفة تتّجه إلى اللّهو، وإلى اللّغو، والقلّة القليلة تتّجه إلى المساجد والدّروس والمحاضرات ومجالس الذّكر، فهذه سُنّة الله في خلقه، والله تعالى قال في كتابه: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر}، وقال: {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاَغ}، فنحن لا نملك سوطًا ولا عصا ولا عذابًا ولا حسابًا، إنّما نملك حُبًّا ودعوة وبسمة نقود بها النّاس إلى جنّة عرضها السّموات والأرض، فإن أجابوا حمدنا الله وإن لم يستجيبوا ورفضوا دعونا الله لهم أن يهديهم ويُبصّرهم.-اللّين في الخطاب والشّفقة في النُّصح، فقد كان سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليّن الكلام، بشوش الوجه، وكان متواضعًا، محبّبًا إلى الكبير والصّغير، يقف مع العجوز، ويأخذ الطّفل ويحمله، ويذهب إلى المريض ويعوّده، ويتحمّل جفاء الأعرابي، ويُرحِّب بالضّيف، وكان إذا صافح شخصًا لا يخلع يده حتّى يكون الّذي صافحه هو الّذي يخلع، وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه صلّى الله عليه وسلّم، لا يُقابل أحدًا بسوء، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لَنِتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، ويرسل الله سيّدنا موسى وهارون عليهما السّلام إلى فرعون أطغى الطواغيت ويأمرهما باللّين معه فيقول: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. وقيل لبعض أهل العلم: ما هو السّحر الحلال؟ قال “تبسّمك في وجوه الرّجال”. فعلى الخطباء والدّعاة ألاّ يظهروا للنّاس التزمُّت ولا الغضب ولا الفظاظة في الأقوال والأفعال، ولا يأخذوا النّاس أخذ الجبابرة.-حسن التّعامل مع النّاس وحفظ قدرهم، فعلى الدّاعية أن يثني على أهل الخير، ويشكر مَن قدّم معروفًا، لأنّه إذا أثنى عليهم عرفوا أنّه يعرف قدرهم، أمّا أن تترك صاحب الجميل بلا شكر، والمخطئ بلا إدانة ولا تنبيه، فكأنّك ما فعلتَ شيئًا، فكبار السن يُحبّون منك أن تحتفل بهم، وأن تعرف أن لهم حقّ سن الشيخوخة، وأنّهم سبقوك في الطّاعة، وكذلك العلماء والقضاة وأعيان النّاس وشيوخ القبائل وأهل المواهب كالشّعراء والكتّاب، ومن لهم بلاء حسن، والتجار الّذين ينفقون في سبيل الله ورجال الإصلاح والتّربية والسّلوك والمعلّمين والأساتذة، فتظهر لهم المنزلة وتشكرهم على ما قدّموا كما كان سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على المنبر “غفر الله لعثمان ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر” أخرجه أحمد.-أن يكون الدّاعية اجتماعيًا، فيشارك النّاس أحزانهم ويحلّ مشكلاتهم ويزور مرضاهم، لأنّ الانقطاع عن النّاس ليس بصحيح، لأنّهم إذا شعروا أنّك معهم تشاركهم أحزانهم وأتراحهم أحبّوك، فيحضر حفلات الزّواج ويبارك للعريس ويقدّم الخدمات، ويرونه متكلّمًا في صدر المجلس فيرحّب بضيوفهم معهم ويساهم في حلّ مشكلاتهم، لأنّ الدّاعيّة مصلح، وحينئذ يكسب وُدّ النّاس.
عضو المجلس العلمي بولاية الجزائر
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات