في 1976 عاشت الجزائر نقاشا واسعا حول الميثاق والدستور لم تشهده في تاريخها حتى الآن، ووصل الأمر بأحد المتدخلين، وهو الأستاذ الطاهر حراث، رحمه الله، أن قال في التلفاز لبومدين: إن اللجنة التي شكلت لجمع اقتراحات المواطنين وصياغة الدستور مشكوك فيها... وهي اللجنة التي كانت آنذاك تضم خيرة الأساتذة في القانون وخيرة ما تملكه الجزائر من الإطارات والمسؤولين، من بينهم محمد الصديق بن يحيى، خريج جامعة الجزائر في القانون، والأشرف ومولود قاسم وطالب الإبراهيمي ومهري ورضا مالك وإسماعيل حمداني وغيرهم، ومع ذلك طعن المناقشون في شرعية وكفاءة هذه اللجنة... فماذا سيكون موقف هؤلاء اليوم لو علموا أن لجنة جمع الاقتراحات التي نصبها الرئيس في رئاسة الجمهورية، منذ شهر، أغلب أعضائها لم يضع رجله في الجامعة، والعديد منهم تخرجوا من مدارس التكوين المهني! ويصلحون لإصلاح السيارات في ورشات ميكانيكية وليس إصلاح الدستور؟! فأنتجوا لنا دستورا كل مادة تلغي أختها؟!أويحيى قال إنه درس القانون الدستوري ويعرف ما يقول؟! وليته قال لنا أين درس القانون الدستوري، ولا نقول أين درّس القانون الدستوري؟! وهل يمكن أن يتصور عاقل أن يصدر عمن درس ودرّس القانون الدستوري الأخطاء التالية:أولا: المادة 7 من الدستور تنص على أن السلطة التأسيسية ملك للشعب ويمارسها بواسطة “منتخبيه”، فهل يستقيم هذا مع المادة التي تقترح على البرلمان تعديلا يسحب هذه السيادة من الشعب ويسلمها للأحزاب عبر اقتراح وقف النيابة عن النائب الذي يتخلى عن حزبه؟! هل تقيد حرية من ينتخبه الشعب كنائب بسلطة الأحزاب؟! والحال أن الحزب هو الذي يذهب بمرشحه إلى الشعب ليأخذ منه الشرعية والسيادة بواسطة الانتخاب، ألا يحس هؤلاء بأن مثل هذه المواد تعارض سابقتها من الدستور؟! أم أن هؤلاء لا يقرأون حتى الدستور!ثانيا: هل تستقيم المادة التي وضعت لمحاربة الرشوة في الدستور الجديد مع رفع مدة النيابة في المجلس الدستوري من 6 سنوات إلى 8 سنوات؟ أليس هذا ممارسة للرشوة بالدستور للنواب، في وقت يحارب الدستور الرشوة؟! كيف يستقيم الأمر والنائب الذي يعينه الرئيس في المجلس الدستوري يبقى 8 سنوات، في حين النائب الذي ينتخبه الشعب في الغرفة السفلى يبقى 5 سنوات فقط؟! أليس صاحب السيادة، وهو الشعب، أصبح أقل شأنا من الرئيس الذي أخذ السيادة من الشعب بالانتخاب؟! أين قرأ هؤلاء أو درسوا فلسفة السيادة والسلطة التأسيسية التي هي أساس القانون الدستوري؟!أصدقكم القول أنني أصبحت أشك حتى في دستورية الجملة الأولى التي بدأت بها ديباجة الدستور “... الشعب الجزائري شعب حر ومصمم على البقاء حرا”! هل لو كان الشعب الجزائري مايزال حرا فعلا ومصمما على البقاء حرا، يمكن أن يقبل ببقاء على رأسه سلطة ترتكب باسمه هذه المناكر الدستورية، التي تجعل البلاد مضحكة أمام العالم؟! شعب يقبل بأن تعدّل له الدستور الجماعة المتخرجة من مدارس التكوين المهني لوزارة الداخلية في السبعينات... ويعطي الشرعية لدستوره نواب برلمان الحفافات... مثل هذا الشعب لا يمكن أن يكون قد بقي مصمما على أن يعيش حرا... إنه تقوّل وادعاء [email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات