+ -

 شخص توفي والده، فقيل له إن زيارة قبر والده بدعة، فهل هذا صحيح؟ وهل تشرع زيارة النساء للمقابر؟ إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإفتاء وبيان الأحكام الشرعية من الأمور الخطيرة التي بسبب الجهل بها وبمسائلها ظهرت الفتن وعمّ الشقاق في البلاد الإسلامية، وهي من القضايا التي ألّفت فيها الكتب والمجلدات، ولكنّنا نجد اليوم أصاغر النّاس يُحلون ما حرم الله ويحرّمون ما أحل الله افتراء على الله وعلى دين الله، والله المستعان.أمّا عن زيارة قبر أبيك فمشروعة، بدليل ما رواه بريدة بن الخصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّي كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكّركم الآخرة، ولتزدكم زيارتها خيرًا، فمَن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هجرًا” رواه مسلم بنحوه وأحمد، وهو صحيح. والهجر هو الكلام الباطل كما قال أهل العلم. وعن أبي سعيد الخُذري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّي نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنّ فيها عبرة، ولا تقولوا ما يسخط الربّ” رواه أحمد وهو صحيح. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور، ألاَ فزوروها فإنها ترقّ القلب، وتدمع العين، وتذكّر الآخرة، ولا تقولوا هجرًا” أخرجه الحاكم وأحمد، وهذا الحديث صحيح بطرقه وشواهده. فهذه الأحاديث وغيرها دليل على استحباب زيارة القبور، ومَن قال ببدعيتها فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَن خالف عمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فليَحذَر أن تصيبه فتنة ويصيبه عذاب أليم.أما النساء فيدخلن في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: “.. فزوروا القبور”، فتُستحبّ لهن الزيارة للاتعاظ بها وتذكّر الآخرة وتذكّر الموت بشرط عدم قول الباطل عندها، وعدم الاستغاثة بالمقبور وغيرها من المخالفات الشرعية أو الشركيات.وأقوى دليل على مشروعية زيارة النساء للمقابر ما رواه عبد الله بن أبي مليكة: “أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلتُ لها: يا أمّ المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرّحمن بن أبي بكر” (أي من قبر أخيها) أخرجه الحاكم وابن أبي عبد البرّ. وكذا الحديث الذي أخرجه مسلم في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لمقبرة البقيع وذهاب عائشة رضي الله عنها فيها خلفه وفيه: “.. قال: قلتُ كيف أقول يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون” رواه مسلم. وما جاء في حديث أنس رضي الله عنه: “مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: “اتّقي الله واصبري..” أخرجه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر وتقريره حجّة). ولكن لا يجوز للنساء الإكثار من زيارة القبور والتردد عليها لأن ذلك قد يفضي بهنّ إلى مخالفة الشريعة مثل التبرج واتخاذ المقابر أماكن للتنزه ولتضييع الوقت في الكلام الباطل، وهذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله زوّارات القبور” أخرجه أحمد وابن ماجه وهو صحيح. وعلى السائل وعلى كل ولد صالح أن يدعو لأبيه الميت وأن يستغفر له ويتصدق عنه، لأن ثواب الصدقة ودعاء الولد الصالح يصل إلى الميت فيُنير الله به قبره، ويخفّف به عنه العذاب، نسأل الله أن يَرحم جميع موتى المسلمين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات