يشكل قرار إعدام رجل الدين الشيعي، الشيخ نمر باقر النمر، من قبل السلطات السعودية، فصلا جديدا من فصول التصعيد والاحتقان في علاقات الرياض بطهران، حيث ينتظر أن تكون لها ارتدادات متسارعة وبعيدة المدى، خاصة أن نقاط التماس والتصادم بين الجانبين متعددة، وأن الطرفين انتقلا من لعبة المحاور إلى لعبة الأقطاب والتحالفات،كان آخرها تشكيل الرياض تحالفا إسلاميا لمحاربة الإرهاب. لم تنته فصول التجاذبات بين الرياض وطهران عند حد رمزية إعدام أحد الشخصيات المؤثرة في منطقة ”القطيف”، بالمنطقة الشرقية، ذات الكثافة الشيعية، والتي مثلت عامل قلق بالغ لصانع القرار السعودي منذ مدة طويلة، حيث بدت وكأنها منطقة رخوة ونقطة ضعف، يعتقد بأن إيران يمكن أن تمسك خيوط اللعبة فيها لإحداث اختراق داخل الجسم السعودي، وهو ما جعل إيران تسارع، فور إعلان تنفيذ حكم الإعدام في حق النمر، للتعبير عن استنكارها، وصعدت من لهجتها من خلال الإيحاء بأنها تلقت الرسالة السعودية، وبأن انعكاساتها ستكون ”وخيمة”، وحذرت طهران من دفع الرياض ثمنا باهظا لما ارتكبته، كما هاجم المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أمس، السعودية قائلا إن ”خطأ سياسيا للسعودية ستطال آثاره ساسة وحكام النظام السعودي”، وتوعدهم بانتقام إلهي، وتزامن ذلك مع مظاهرات احتجاجية بالقطيف حاضنة ”النمر”، ما يوحي بأن فصولا أخرى ستتعاقب تباعا.وكان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد دعا، في وقت سابق، إلى التراجع عن حكم إعدام الشيخ النمر، وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها من إعدامه، وقالت إنه يمكن أن يفاقم التناحر الطائفي في الشرق الأوسط، وسارعت إلى دعوة الرياض لاحترام وحماية حقوق الإنسان وضمان محاكمات عادلة وشفافة.كما عبرت جماعة الحوثي عن معارضتها للإعدام، وأخرجت بيانا مطولا وصفت فيه نظام آل سعود بالمجرم، وأعلن مجلس وحدة المسلمين في باكستان استنكاره للإعدام، وأعلنت باكستان أنها ستخرج في تظاهرات في مدينة كراتشي، كما استنكرت دار إفتاء أهل السنة والجماعة في العراق إعدام الشيخ النمر، واستنكر نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، الأمر أيضا، وهو موقف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، وأدان حزب الله الإعدام، بينما أعلنت الإمارات العربية المتحدة تأييدها للإجراءات التي اتخذتها السعودية في إعدام الشيخ نمر النمر مع 46 إرهابيا آخر.ويساهم إعدام الشيخ النمر في التأثير على المشهد الإقليمي، وهو حدث تزامن مع خطوات سعودية صنفت بأنها تصعيدية، كإنهاء الهدنة في اليمن والإعلان عن تحالف استراتيجي مع تركيا، في وقت تلقت الرياض نبأ مقتل قيادة جيش الإسلام في سوريا على رأسها قائدها زهران علوش، بأنها رسالة سورية إيرانية قبل مباشرة المفاوضات حول الأزمة السورية، ناهيك عن التصعيد الحاصل في الجبهة اليمنية، مع تطوير أنصار الله منظومة صاروخية أضحت تهدد العمق السعودي، وتعتبر هذه الأخيرة أن إيران تساهم في إحداث هذه النقلة التكنولوجية لفائدة خصومها من اليمنيين، يضاف إليها الدور المتنامي لحزب الله في سوريا ولبنان، وتقليص تأثير حلفاء الرياض من حزب المستقبل للحريري.ويتضح أن خيار المواجهة أضحى قائما بطرق متعددة، ففي الجبهة السورية والعراقية تسير الأوضاع لفائدة من تعتبرهم السعودية حلفاء إيران، ما يفتح الباب لبدائل متعددة، وهي أقرب إلى الصدام من التوافق، لاسيما بعد أن برزت مؤشرات خروج طهران من عزلتها الإقليمية مع الاتفاق النووي ورسملته بداية من هذه السنة، من خلال رسالة تحد إيرانية مفادها فتح الباب على مصراعيه للشركات الدولية للاستثمار في قطاعات النفط والغاز، ورفع قدرات إيران التصديرية إلى جانب العراق أيضا، لتتحول الدولتان إلى منافس اقتصادي للسعودية التي تواجه منافسة داخلية قطرية إماراتية، تزاحمها على زعامتها داخل مجلس التعاون الخليجي بطموحات إقليمية في ملفات متعددة.كما شكل استدعاء الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال السعودي فصلا جديدا من فصول الصدام الإيراني السعودي القابل للتواصل، إلى جانب خروج تظاهرات غاضبة في الشارع الإيراني وصلت إلى حد إحراق مبنى السفارة السعودية في طهران، وإضرام النار في مبنى القنصلية السعودية في مدينة مشهد، وإعلان مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية عن ”استهجان” الرياض لكافة التصريحات ”العدوانية” التي صدرت عن طهران، إثر إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، متهمة إيران بأنها ”دولة راعية للإرهاب”.وأيا كان مآل قضية الإعدام ومضاعفاته مع إصرار الرياض على عدم تسليم جثته، لتفادي تحوله إلى رمز في منطقة القطيف، فإن الحوادث المتلاحقة فتحت علبة ”الباندور” التي ستفرز مزيدا من الاحتقان ستبرز على عدة ساحات وملفات في المنطقة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات