+ -

 رحل الرمز حسين آيت أحمد، وترك وراءه عائلة وحزبا تزعمه 49 سنة كاملة، وإن كان الدا الحسين رفع يده عن الأفافاس بموجب دورة الحياة التي برر بها انسحابه في ديسمبر 2012، إلا أن رحيله فكرا وجسدا خلف فراغا رهيبا، يدفع قيادة الحزب إلى التفكير بأنجع السبل من أجل تجاوزه. هل سيستمر حزب جبهة القوى الاشتراكية بمنطق القيادة الجماعية الذي فرضه إعلان آيت أحمد انسحابه من رئاسة الحزب، يوم 22 ديسمبر 2012، أم أنه سيستدعي مؤتمرا استثنائيا، للعودة إلى الهيكل التنظيمي، المشخص في التسيير برأس واحد، مثلما درج عليه الأفافاس طيلة رئاسته من قبل الزعيم آيت أحمد، وكان حزب الدا الحسين أقر القيادة الجماعية، لتعويض انسحابه، بموجب المؤتمر الخامس الذي انعقد يوم 24 ماي 2013، وتمخض عنه تولي أحمد بطاطاش منصب الأمين الوطني الأول، واستحداث هيئة رئاسية جماعية، ضمت كلا من محند أمقران شريفي، علي لعسكري، رشيد حالت، عزيز بلول وسعيدة إشلامن. وعام بعد ذلك، تولى محمد نبو منصب الأمني الوطني الأول، خلفا لأحمد بطاطاش، مع الاستمرار في العمل بالهيئة الرئاسية الجماعية، واقترنت بمحمد نبو مبادرة الإجماع الوطني، التي تبناها الحزب وسوق لها بلقاءات متعددة مع الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، والتي لعب فيها محند أمقران شريفي دورا بارزا.وإن كان تبني القيادة الجماعية، لتعزيز قيادة الحزب، حلا كان الأقرب إلى الصواب، باعتبار استحالة إيجاد رجل بكاريزمية الزعيم آيت أحمد، الذي بقي يرأس الحزب شرفيا فقط طبقا للوائح المؤتمر الخامس، وفي وجود الرمز قيد الحياة، إلا أن الاستمرار في تسيير الأفافاس وفقا لهذا الخيار يكون قد فقد علته، بينما تساؤلات تطرح إن كانت قيادة الحزب ستدرس العودة إلى الهيكل التنظيمي القديم، الذي لا يتناسب معه إلا شخصية كاريزمية، تحقق الإجماع الحقيقي بين أبناء الأفافاس، إجماع يكون منتهاه الحفاظ على الإرث السياسي للراحل آيت أحمد والأبعاد الوطنية والسياسية والاجتماعية والديمقراطية التي ناضل من أجلها.وفي ضوء ردة الفعل التي وقعها نجل الزعيم آيت أحمد، بمنع زعيم “الماك” فرحات مهني من إلقاء كلمة خلال الوقفة الترحمية التي نظمت بلوزان، الأربعاء الماضي، ليس هناك من يؤشر على أن خط الأفافاس سيتغير، حتى وإن كان هناك من تحدث عن تليين الحزب موقفه تجاه السلطة منذ أن أعلن عدم مقاطعته لانتخابات البرلمان لـ10 ماي 2012، برسالة من آيت أحمد نفسه، ثم والمؤشر الثاني ظهر من خلال تشييع جنازة الفقيد بعين الحمام، من خلال تعامل مشيعين مع الوفد الرسمي الذي انتقل إلى هناك لحضور التشييع، وهي رسالة تحمل دعوة لضرورة أن يستمر الأفافاس في خطه المعارض، في سياق شامل أظهر أن آيت أحمد كان يبعث رسائل “وهو ميت”، بل أن أقوى الرسائل التي صدرت منه كانت بعد وفاته. وهي رسائل شبهت بخارطة طريق وضعها أمام حزبه، لذلك، لا يتوقع أن يجد أبناء الأفافاس صعوبة في رسم إستراتيجية الحزب للمرحلة المقبلة.يشبه وضع الأفافاس حاليا الوضع الذي كانت عليه حركة مجتمع السلم بعد رحيل زعيمها، محفوظ نحناح، صائفة 2003، حيث تضاربت القراءات بشأن من يتولى خلافة الرجل، لكن الخيوط الأولى لمسألة الاستخلاف كانت واضحة بعض الشيء، ورجحت تولي أبو جرة سلطاني، قاطرة الحركة، ومكمن الاختلاف يقع هنا بين الجبهة والحركة، حيث يستعصي التنبؤ بمن سيحل محل الدا الحسين في منصب الرجل الأول في الحزب في حال تم التراجع عن القيادة الجماعية، والمرجح بالنسبة لتقاليد حزب الدا الحسين، أن يأخذ أبناء آيت أحمد الوقت الكافي لبحث المسألة، قبل انعقاد المؤتمر السادس، الذي لازال بعيدا.مستقبل الأفافاس مرهون بالإجماع بداخله وبالأخص داخل العلبة السوداء، والإجماع ليس مصطلحا غريبا بالنسبة لفصيل سياسي أراد تبنيه حتى مع من لا يتقاسم معه الرؤية والإيديولوجية والموقف، من خلال المبادرة التي زكاها آيت أحمد بورقة بيضاء تنتظر أن تملأ بعنوان الخروج من الأزمة، يراها الأفافاس عميقة وتعود إلى عقود من الزمن، كما وصفها آيت أحمد نفسه في مبادرة مكتوبة عام 2012، عندما رأى في الثورتين التونسية والمصرية ظهور عهد جديد بالنسبة لأنظمة الحكم وعلاقة الحكام بالمحكومين، فقال: “من الأكيد أيضا أن حقبة قد انتهت بمراجعها ووسائل هيمنتها، مرحلة أخرى هي بصدد الظهور حاملة معها فاعلين جددا، أجيالا جديدة وأساليب جديدة في الكفاح”.مبادرة عدد فيها الدا الحسين في الجزائر “غياب دولة القانون، غياب حياة سياسية، غياب دستور جدير بهذه التسمية، الافتقار إلى مؤسسات ذات شرعية كفيلة بحماية الشعب والوطن على حد سواء من التجاوزات، وضمان حقه في العيش في ظل الحرية والكرامة”، وهي معددات تبحث لها عن “إلغاء” في ندوة الإجماع الوطني، التي تركها آيت أحمد في منتصف الطريق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: