يعتبر الشاعر التونسي أحمد العباسي، رئيس الجمعية التونسية للثقافة الشعبية، أحد المبدعين في مجال الشعر العربي المهتم بقضايا الوطن وهمومه، يحمل في أعماقه الوطن العربي بعاطفة النبل، وكتب عنه الكثير من القصائد بحس شعبي منبعث من الواقع العربي المعاش، فمن رحم الثورة التونسية ومخاض الأزمات العربية خرج الشاعر أحمد العباسي بقصائد ملهمة لجيل المؤمنين بالشعر في تونس الخضراء، وذاع صيته في كل أقطار الوطن العربي، كان لـ”الخبر” لقاء معه.ما مدى تأثير الأوضاع الحالية في تونس على الكتابة الأدبية؟ كثيرا ما تولد إبداعات على درجة عالية من الجودة، ويكون مولدها من رحم المأساة، فلما نأخذ تاريخا أقوى القصائد في الوطن العربي نجدها نابعة من رحم معاناة الثورة وويلات الاستعمار، لذلك غالبا ما تكون تحريضية. للأدب دور في دحض المستعمر فالمجاهد يقاوم بالبندقية، أما الكاتب فسلاحه القلم والكتابة. وبالنسبة لتونس لا نقول إنها تمر بأزمة بل نقول إنها عاصفة، سننحني لها لتمر. ودور المبدع هنا سيكون في مناهضة هذا الإرهاب والغول الذي يداهم كل شبر من العالم وكل الإنسانية، إذن هنا تكون مناهضة الإرهاب من منطلق الإنسانية جمعاء. فكل كلمة تكتب في هذه الظروف نجدها مكسوة بشيء من الحزن والأسف والوجع، فالمبدع عليه تبليغ الرسالة لمن يهمه الأمر.هل تعكس الكتابة الساخرة في تونس حاليا الوضع السياسي الحالي؟ الشاعر لسان عصره وجيله وقومه وبلده، لذلك لما نقرأ الكتابات بكل أنواعها المسرحية والفنية والشعرية وحتى الرسم، فهذا يعتبر مرآة للوضع الذي يعيشه الشعب، فالشاعر يؤثر ويتأثر بمحيطه، وهو يحاول نقل ما يحس ويرى، فشعر السخرية هو تبليغ رسالتك تحت غطاء الفكاهة والتهكم، ففي فترة المستعمر كانت تستعمل الرموز في الكتابات الشعرية ، خوفا من تسلط وطغيان المستعمر وتوضع في قالب فكاهي هزلي.ألا ترون أن الكتابة الساخرة حاليا في تونس هي هروب من الواقع وتداعياته؟ لا أرى ذلك، لأن المباشراتية في الشعر أصبحت من أدنى المراتب الأدبية، لابد من شيء من الرمزية حتى تصبح هناك قيمة في فحوى الشيء المقدم، لما تقرأ قصيدة هزلية في داخلها تعالج موضوعا بين السطور أو قضية، فمثلا الشعر الشعبي العكسي في تونس معناه مثلا ركوب الفأر على الأسد أو الذئب يرعى الأغنام، هذا أكيد وراءه رسائل يريد المبدع إبلاغها، والأسباب هي عادة خوفا من المتسلط. وحتى في الغزل نميل إلى الرمزية خوفا من العادات والتقاليد، لذلك نشبه مثلا الحبيبة بالغزالة، إذن المراقي الأدبية تتطلب تفادي المباشر الذي يؤدي إلى التصادم في كثير من الأحيان.هل هناك هروب للشعراء في تونس نتيجة تردي الأوضاع؟ على العكس، فأنا أرى أن المحن تجمع أعضاء الجسد الواحد، أرى في تونس أن الناس كلها يد واحدة، الرسام، المسرحي، الشاعر، الفنان، الأديب، والمفكر كلهم متحدون، إلا الساسة فهم يميهون الكلام ويتفادون اللغة والحديث المباشر، فالمبدع يحترق ليخدم وطنه بكل الوسائل والطرق، يبحث عن كل السبل لإيصال أفكاره وتنوير الرأي العام. هذه الأزمة تجمع كل تونسي غيور على مصلحة تونس، وأعتقد أنها أزمة مست كل العالم العربي الذي أعتبره جسدا واحدا، كل تونسي مبدع في مجاله، فرجل الأمن مبدع لأنه يكتب على صفحات التاريخ من دمه، إذا كنت أنا أكتب بالقلم فهو يكتب بيده وقلبه وإيمانه إذن ليس هناك إهدار للطاقات الإبداعية بالعكس هذه المحن تجمعنا كمبدعين في كل المجالات.ما هي مشاريعك الإبداعية المستقبلية؟ لدي إن شاء الله ديوان ”حبر الجرح” مكتوب عن تونس وكل الأوضاع في الدول العربية، ومستقبلا سنحاول جمع الطبقة المثقفة لأني على رأس الجمعية التونسية للثقافة الشعبية وسنرتب لتنظيم الملتقى الدولي للثقافة الدولية في تونس العاصمة، تحت شعار ”الثقافة درع للإنسانية”، وسنرد بطريقة راقية على الذين يذبحون ويقتلون ونكتب حتى آخر نفس فينا، هم يسيلون الدماء ونحن نسيل الحبر، نحن نحتفل للإبداع وهم يحتفون بالقتلى. أرى أن السلاح ضد الإرهاب يكمن في تثقيف الشعوب العربية وإقناعها بأن القضاء عليه يحتاج للاتحاد والوعي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات