سيدي.. في اليوم الثاني من شهر ديسمبر 2015، كنت في باريس في مهمة عائلية أبحث عن ابن أختي التي كان زوجها إطارا في وزارة العدل وتوفي، وفي اللحظة التي كنت أتحدث فيها مع أصدقاء ابن أختي المفقود في قلب باريس، وبالضبط في الحي الشعبي “بارباس”، رأيت رجلا كنت أراه في القنوات الجزائرية وعلى صفحات الجرائد، وكانت مهمته في الحكومة مكلفا بالشباب، أي وزير منتدب للشباب، تقربت منه وأنا في حالة تعب كبير من عناء البحث عن ابن أختي الشاب المفقود، وقلت له: هذه صدفة جيدة.. لم يسمح لي الحظ أن أكلمك في الجزائر لأنك كنت وزيرا.. فقال لي: أنا الآن في مهمة مع الوزير الأول، نحن نزور باريس وسنذهب غدا إلى جنوب فرنسا! فقلت له “ما سر وجودك في حي بارباس؟!”. فقال لي.. إنني انتظر زميلا لي كي نأخذ “وجبة لوبيا” من صنع طباخ جزائري ماهر”! بلباس محمد ـــ الجزائر❊ يا أخي محمد.. الجزائريون المهرة في كل المهن والفنون والتقنيات والعلوم غادروا فعلا الجزائر، من صناع “اللوبيا” إلى صناع المقروط إلى طباخي الكسكس.. وليس الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات فقط، وهذا الوزير لو كان وزيرا فعلا للشباب لما ضاع الشاب ابن أختك! أشهد أنا أيضا أنني أنجزت تحقيقا حول المهاجرين سنة 1980، وأخذني وقتها أحد المهاجرين في مدينة ماتز الفرنسية وأطعمني في مطعمه وجبة كسكسي لم آكل مثلها في حياتي، وقال لي: “إن نساء يفتلن الكسكس لمطبخه جلبهن من مدينة ميلة، التي كانت في ذلك الوقت دائرة من دوائر قسنطينة”. نعم.. أحسن الأطباء من المهاجرين الأجانب إلى فرنسا هم الجزائريون، وأحسن مهندسي الإعلام الآلي من المهاجرين هم الجزائريون.. بل وأحسن كل الناس في مختلف المهن هم الجزائريون من المتخصصين في أدق جراحة القلب والمخ إلى صناعة اللوبيا والمقروط. بلدنا لم ينكب في نخبه في العلوم والتكنولوجيا فقط، بل نكب أيضا في هجرة رجاله المهرة في صناعة اللوبيا والمقروط والكسكس، فهجرة الكبار غطت على هجرة الصغار الذين هم في النهاية كبار.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات