“البوق”، “السينيال”، “البرَق”، “لافونتان” و”البصلة”.. وغيرها من أسماء الشهرة التي تجد رواجا كبيرا في الأوساط الشبابية عشية المولد النبوي، تطلق على مختلف المفرقعات والألعاب النارية حسب شكلها ولونها ودوي انفجارها. ولعل أغلاها ثمنا وأشدها خطورة، تلك المعروضة بكميات هائلة في أكبر فضاء موازٍ في العاصمة بسوق “جامع ليهود” الواقع أسفل قصبة العاصمة، اختير لها اسم “داعش” وثمنها يفوق 10 آلاف دينار جزائري للقطعة الواحدة. بمجرد اقترابك من سوق “جامع اليهود” وأنت ترتقي الأدراج بين أزقة وثنايا القصبة السفلى، لا يتناهى إلى سمعك إلا أصوات الباعة وهم يروجون لسلعهم المحظورة ويطلقون العنان لحناجرهم مرددين تلك الأسماء “الرهيبة”.وما إن تلج السوق حتى تصدمك الطاولات المدججة بشتى أنواع المفرقعات ألوانا وأشكالاً وبكميات هائلة، انتصبت على امتداد الشارع العبق برائحة العنبر والكبريت والمواد الكيميائية التي تستعمل في تركيب تلك السلع.رجال ونساء من مختلف الأعمار تجدهم يتسوقون في ذلك الفضاء وسط حركة لا تكاد تنقطع وضجيج لا يكاد يطرق. لقد كان سوقا شعبياً بامتياز يعرض مختلف السلع الممنوعة.في بادئ الأمر، استحال على مصور “الخبر” أخذ صورة لتلك السلع المعروضة، إذ بمجرد أن اكتشف الباعة هويتنا طالبونا بالرحيل فورا، كأن الصحافة هي التي تكشف أمرهم لدى السلطات الأمنية، ما صعب مهمتنا في بداية الجولة الاستطلاعية، وبعد أن تبادلنا أطراف الحديث مع البعض منهم اكتشفنا أن مصالح الأمن تشن حملة شرسة ضدهم وتطاردهم حيث ما كانوا “لقد أمضينا أول أمس (الجمعة) ليلة بيضاء، بعد عملية المداهمة التي باغتنا بها مصالح الأمن”، يقول مسعود شاب في 26 من العمر، يبيع تلك السلع غير القانونية.المداهمات زادت من ارتفاع الأسعارورغم أن موعد المولد النبوي الشريف أوشك على الحلول (ليلة 24 ديسمبر) وتزامن مع احتفالات رأس السنة ويتخللهما عرس كروي عاصمي بمناسبة المباراة التي تجمع الغريمين العاصميين المولودية والاتحاد، إلا أن الإقبال على اقتناء المفرقعات لايزال محتشما، على حد قول أغلب الباعة ممن تحدثت “الخبر” معهم “قد يكون سبب عزوف المواطنين عن شراء الألعاب النارية راجعا إلى الظروف المعيشية الصعبة وسياسة التقشف التي طالت أغلب شرائح المجتمع”. ويرى بائع آخر أن السبب “في ارتفاع أسعارها يكمن في انخفاض قيمة الدينار، خاصة أن جلها مستورد من الصين ودول آسيوية”، لكن أغلبهم أكدوا أن حملة المداهمة التي قامت بها الشرطة مساء الجمعة واستهدفت أحد أكبر ممولي هذه السوق، هي السبب المباشر في قفز الأسعار إلى الأعلى، بيد أن العرض تقلصت كمياته.“داعش” بـ10 آلاف دينار جزائريأما عن الطريقة التي يبيعون بها تلك السلع المحظورة وكيفية اقتنائها ونقلها حتى سوق “جامع اليهود” الواقع في قلب العاصمة من دون أي صعوبات، رد رياض أحد الباعة وهو يغلي غضبا: “لست أنا من يذهب إلى الصين لاقتنائها، عليك أن تسأل عن أولئك الذين يسربونها من ميناء الجزائر بالحاويات”، ثم تابع قائلا “أبيع المفرقعات مع اقتراب المولد النبوي وأعرض مستلزمات الدراسة مع انطلاق الموسم الدراسي وهكذا أغتنم كل مناسبة لكسب قوت عائلتي، ليس الذنب ذنبي”.واصلنا جولتنا في ذلك الفضاء الذي لم يترك فيه مكان يصلح لعرض المفرقعات إلا وتم استغلاله، مئات الأنواع كلها قادمة من الصين، أسعارها تنطلق من 100 دينار جزائري كأدنى تقدير، على غرار الشموع والعنبر وبعض “النوالات”، وكلما زاد خطرها وكذا دويّ انفجارها أو الأشكال النارية التي ترسمها في الفضاء كلما زاد سعرها، إلى أن تصل حدود 10 آلاف دينار جزائري للقطعة الواحدة، كتلك التي يطلق عليها اسم “داعش” الآخذة شكل صاروخ ضخم الحجم يبرز عن باقي المفرقعات الأخرى، لا شك أن خطرها أكبر بكثير من الاستمتاع بفرقعتها الذي لا يدوم إلا بضع ثوانٍ. يسترسل الشاب الواقف أمام الطاولة المدججة بمختلف المفرقعات، متهكما “عشر قطع منها (يقصد داعش) تكفي لشن حرب ضد أي كان”.معاركيخوض المئات من الشباب المهتم بنشاط بيع المفرقعات معارك كر وفر مع مصالح الشرطة، حيث لم تزدهم عمليات المداهمة والحجز إلا إصرارا على ترويج أنواع جديدة من المفرقعات ذات المفعول القوي.ويجد مروجو هذه المواد المحظورة في تيبازة ضالتهم في جلب كميات كبيرة من هذه المفرقعات الجديدة، ولا يخفي من تحدثنا إليهم أن الأنواع والتسميات الجديدة تجد رواجا كبيرا في أوساط المراهقين والأطفال، فالكثير من الشباب البطال نصب طاولات بأحياء شعبية وأطراف المدن الكبرى منذ قرابة الأسبوعين، وأضحت تلك الطاولات “مدججة” بـ”ترسانة” من شتى أنواع الألعاب النارية. وقد حاولنا معرفة الأنواع الجديدة، فأجمع هؤلاء الشباب على أن هذه المفرقعات تأتي من دول آسيوية على تسميتها الأصلية، لكن النافذين في الموانئ ومحترفي هذا النشاط على مستوى سوق العلمة وباب الوادي و”جامع ليهود” هم الذين يطرحونها في السوق بتسمياتها الجديدة، ويتم تداولها فيما بعد على أساس التسميات ذات الطابع الشعبي الهزلي. ولم تتمكن مصالح الأمن من كبح هذا النشاط الظرفي، لأن السلطات، كما جاء على لسان الشباب الذين قابلناهم، لم تستطع تجفيف منابع هذه السلع المحظورة، ولم تقم في يوم من الأيام بالضرب بيد من حديد على مستوى الموانئ وبعض نقاط الحدود البرية، حيث تدخل حاويات ضخمة مموهة، ولهذا فإن الحملات التي تقوم بها عناصر الشرطة في المدن غير فعالة. وبالعودة إلى تأثير مداهمات الحجز على تداول هذه الكميات، قيل لنا إن هذه الإجراءات ساهمت في رفع قيمة المفرقعات بشكل كبير ولكن لم تحد من انتشارها.فقبل أيام، كانت “المرڤازة” تروج بسعر 60 دينارا للخرطوشة الواحدة ولكن اليوم ارتفعت إلى 90 دينارا، أما “الكوبرا” التي سجلت رواجا كبيرا ودخلت هذا الموسم، فهي تباع بـ300 دينار ولها مفعول قوي جدا، في حين لا يقل ثمن “الصاروخ” عن 350 دينار وهو مرشح للارتفاع ليلة المولد النبوي، إضافة إلى “البوق” بسعر 800 دينار، بينما يتراوح سعر “تريبوسكوب” ما بين 1500 و2000 دينار وقد تصل أسعار “السينيال” وهي الإشارات البحرية المصنفة كأسلحة خطيرة إلى 3500 دينار.مفرقعات “خفيفة” بالسويقةوفي قسنطينة، نصب عدد من الشباب طاولاتهم وسط الأحياء الشعبية وعدد من الأسواق لبيع مختلف أنواع المفرقعات التي تختلف من سنة إلى أخرى حسب درجة خطورتها ونوعها، رغم مختلف الإجراءات الردعية لمنع تسربها إلى البلاد وتوزيعها وتسويقها. واستطاع هؤلاء الشباب بوسط المدينة خاصة بالسويقة، رحبة الصوف، سوق بومزو وسوق بطو، أن يجذبوا الزبائن خاصة من فئة الصغار ببعض الأنواع الجديدة للمفرقعات التي وصفوها بالخفيفة أو الأقل خطورة على غرار “الزربوط، الفراشة، كريستيانو، 4 طلقات و6 طلقات”، التي أجمع أغلبهم على أنهم يقتنونها بالجملة من سوق العلمة في سطيف.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات