منسيون مطالبهم خارج أجندة وزارة التضامن..

+ -

يقول البعض إن عددهم بولاية المسيلة تجاوز 6 آلاف، ومنهم من يرى أنه يناهز 20 ألفا، معاناتهم تلين لها القلوب الصماء، وقصص حياتهم يتفتت لها الحجر الصوان، لا يكاد يتذكرهم أحد إلا في المناسبات، تمنح لهم هدايا رمزية وقليل من الحلوى، يموتون في صمت، يشطبون من قوائم المنح، وتعيش على وقع جراحهم هيئة كاملة اسمها وزارة التضامن.. تضعهم العديد من الدراسات الاجتماعية في خانة الفئات الأكثر تواصلا مع شتى صنوف المعاناة والحرمان، والتي تحولت في عرف هيئات مختلفة في الدولة إلى مجرد أرقام تصعد وتنزل حسب ضرورة المصلحة، كما يقال، وفئة يُساوم بمعاناتها في أوقات المناسبات ليس أكثر، والشيء الأكيد في كل هذا أن هذه الهيئات مازالت إلى اليوم غير قادرة على ضبط رقم حقيقي ونهائي لهذه الفئة، عدا ما يمكن أن يصلح لأن يتم به حشو التقارير الرسمية عند كل ضرورة من أرقام، في محاولة لإقناع المطلع عنها بأن أسباب التكفل قائمة، وأن هذه الفئة بفضل زمن البحبوحة والتاريخ الذي يبدأ عند العام 1999 إلى يوم الناس هذا، قد خرجت وإلى الأبد من محطة الهامش إلى ذروة الإدماج الاجتماعي. الواقع أكثر من هذا، والمصيبة تلك التي لا تراها مونية مسلم ولا هيئاتها على المستوى المحلي أعمق بكثير من تقارير غالبا ما يموت صانعو أرقامها الذين جاءت من أجلهم، في صمت بين الشوارع الخلفية وفي زوايا المدن الضيقة، تأخذهم على حين غرة لعنة البرد ولسعات الجوع، ومنحة لا تكاد تسد رمق يوم أو جرعة دواء.. يموتون وعلى جبينهم سخط على وزارة لم تحفل بهم أبدا، وعلى إعاقة أعاقتهم حتى عن كسب القوت كي لا تقع فريسة لذل المنحة، والموت ألف مرة في اليوم أمام أبواب هيئات “الرعاية” الاجتماعية المختلفة.إدارات لا تعترف بهم وأخرى لا تعتبرهم أصحاب حقوق..تعتبر العديد من الإدارات والهيئات التنفيذية، وخاصة منها تلك المنتمية لوزارة السكن والعمران، أن فئة المعاقين وبالأخص ذوي الإعاقات الحركية، ليسوا أصحاب حقوق ولا يمكنهم أن يطالبوا بذلك. التهمة ليست افتراء على هؤلاء المسؤولين، ومسألة نكران حق هذه الفئة في تسهيلات الحياة وإلزامية السعي الحثيث لإدماجها في المجتمع، بات بالفعل حجةً، حسب كثير من الذين التقينا بهم من الأشخاص المعاقين حركيا، لدى القائمين على هيئات عمومية كمديريات السكن والبناء والتعمير وديوان الترقية بولاية المسيلة، والذين أمعنوا في تهميشهم، ورفضوا إلى إشعار آخر الاستجابة لتعليمات وزيرة القطاع القاضية بضرورة تخصيص أروقة وفضاءات للمعاقين في المشاريع المختلفة، لكن يقول أحدهم متسائلا “لماذا يتعمد هؤلاء المسئولون إهانتنا؟ نحن لا نعرفهم ولم يجربوا يوما معاناتنا، فلم يقصدون إقصاءنا؟ ولماذا تطبق كل التعليمات والمراسيم الخاصة بالأسوياء وتسقط تلك الخاصة بنا في ماء الحبر الذي كتبت به؟ هذه بداية العزل والهامش، ورسالة مضمنة لوزير السكن والعمران ليتابع مدى تنفيذ تعليماته، أما نحن فقد ألفنا الموت على أعتاب أبوابكم لنقل شكاوانا”.2875 معاق يقتاتون من منحة العار والآلاف منهم تحت خط الفقر 2875 معاق هم من تعترف بهم مصالح النشاط الاجتماعي بالولاية، حسب آخر إحصاء أقره بيان الوضعية العامة للولاية الذي أصدرته في حصيلة سنة 2007، العدد بلا شك ارتفع وقد يكون بلغ 4 آلاف، هؤلاء هم فقط من أسعفهم الحظ في أن تدرج أسماؤهم في إطار برامج الرعاية الاجتماعية التي توفرها الدولة لهذه الفئة، هذا إذا كان الحظ يمكن اختزاله في بطاقة إعاقة ومنحة لا تتعدى ألف دينار شهريا وكفى.العديد من الجمعيات المحلية التي لم تستطع الصمود طويلا في سبيل تحقيق أهدافها من أجل تحسين وضعية هذه الفئة، من خلال محاولات كثيرة لانتشالها من بؤر الإهمال والتهميش والفقر، وآثرت توقيف نشاطها، أكدت أن هذا الرقم لا يمثل سوى قطرة في بحر ما يتربع عليه إقليم الولاية من آلاف الحالات لعائلات تعاني الإعاقة بالجملة، تعيش هنا وهناك في مناطق نائية لا يسمع بها أحد، تعيش على إحسان المحسنين، وتكاد تدخلات الدولة في هذا المجال تقتصر على أولئك الذين حالفهم الحظ في أن يعرضوا مآسيهم على صفحات الجرائد، واعتبرت مصادر من هذه الجمعيات أن نسبة مئوية عالية من الشكاوى والرسائل التي تنشر عبر مختلف الوسائط الإعلامية هي عبارة عن مناشدات لوزارة التضامن قصد التدخل للتكفل بحالاتها المأساوية، والتدخل لدى الهيئات المحلية بغية إدراجها ضمن برامج الرعاية الصحية، وإيجاد منفذ لمساعدتها اجتماعيا، “ولعل الصمت المطبق الذي كثيرا ما تواجَه به هذه الفئة كان واحدا من أهم الأسباب التي جعلتنا نتخلى عن دور جمعوي لا يأتي بثماره ولا يسمع له أحد”.قصص لمعاقين ماتوا جوعا وآخرين حرموا من مرافق الحياة..ونحن نقوم بجمع المعلومات عن هذه الفئة، لم نجد أدل ولا أوضح من تجربة واحتكاك سنوات طويلة كانت اكتسبتها جمعية الوفاء للمعاقين الكائنة ببلدية مقرة في ولاية المسيلة، سرد علينا رئيسها قصصا وصورا عن معاناة العشرات ممن تصفهم الدولة بذوي الاحتياجات الخاصة، الذين وقفت على حالاتهم الجمعية أو تدخلت وفق إمكانياتها البسيطة لمساعدتهم، أغلبهم يعيشون حياة بؤس وشقاء، أوضاعهم مأساوية، متفرقون هنا وهناك في مناطق معزولة وفي بيوت لا تتوفر على أدنى ما يمكن أن يوحي لك بأنهم بشر يتنفسون ويأكلون ويشربون، وأكثر من ذلك لا يعرفون حقوقهم.. منها حالة لرب أسرة معاق يقطن وأولاده في بيت من غرفة واحدة متعددة الاستعمالات ينعدم فيها الماء والكهرباء.. ومعاق آخر لا يكاد يجد ما يستر به نفسه.ويرى رئيس الجمعية أن الصورة تزداد مأساوية عندما تقف على حالات لأسر بها أكثر من معاق، ووصل العدد في بعضها إلى 4 معاقين في المنزل الواحد، يعيشون في الغالب على إعانات المحسنين، ولا يجدون في طرق أبواب مصالح الدولة ما يسد الرمق، هذا إن وجدوا في مصالح الشؤون الاجتماعية بالبلديات التي يقطنونها من يتعاطف معهم ولو بالنزر القليل مما تبتلعه ميزانيات هذه الأخيرة من أموال غالبا ما تذهب إلى غير مستحقيها.يضيف محدثنا أن الأخطر في كل هذا هو تجذر ثالوث المرض والجهل والفقر في أوساط رقعة واسعة من هؤلاء، وقد وقفنا على أطفال معاقين بلغوا سن التمدرس، لكن الإعاقة والعوز المادي حالا دون التحاقهم بمقاعد الدراسة أمام انعدام المدارس المتخصصة، ورغم مدرسة متخصصة في متابعة حالات المتخلفين ذهنيا بعاصمة الولاية وأخرى لصغار الصم، فإن ذلك يبدو غير كاف بالنظر إلى طاقة الاستيعاب القليلة مقارنة بهذه الفئة، فيما تظل مراكز الإعاقة الحركية منعدمة في كامل الإقليم بالرغم من وجود عدد هام من المعاقين حركيا ومزدوجي الإعاقة بالولاية، والذين ليس بإمكانهم الالتحاق بمراكز من هذا النوع في ولايات أخرى لظروف مختلفة، منها ما يتعلق بطبيعة هذه المراكز وأساليب القبول بها، بالإضافة إلى جهل هذه الفئات وعدم توفر الولاية على استراتيجية تحسيس واضحة المعالم لحصر كلي وشامل لهؤلاء والعمل على إعانتهم في تخطي مشاكلهم الاجتماعية وظروف إعاقتهم وعدم قدرتهم على كسب القوت.ولعل أعمق صورة يمكن أن تثار في هذا الموضوع تلك المتعلقة بحالة مواطن وقفت عليه الجمعية بأحد دواوير بلدية مقرة، وهو معاق وعاجز كليا لم يجد من يعيله أو يقيه برد الشتاء ولا حر الصيف من مأوى سوى بيت قصديري على الأطراف، لا يتوفر على أدنى ظروف الحياة، ولا يصلح حتى لإيواء الحيوانات، فما بالك بآدمي يكابد آلام أمراض عديدة.. إضافة إلى إعاقته فهو يعاني من مرض القلب وفقر الدم والروماتيزم وغيرها من الأمراض التي عجل بها الجوع وانعدام الدواء، وكم حز في نفوسنا، يقول رئيس الجمعية، عندما حاولنا لفت انتباه السلطات من رئيس بلدية إلى رئيس الدائرة ثم والي الولاية من أجل التدخل الإنساني ورفع الغبن عن هذه الحالة التي دون شك مثلها الكثير ممن يموتون في صمت.. وكان الرد سلبيا عندما أجبنا عن طريق رئيس البلدية بعد تكليف رئيس الدائرة له بمتابعة الوضعية بالقول “ما نقدرو نديرو والو”، “وما يجعلنا مرتاحين نفسيا”، يسترسل محدثنا، “قيامنا كجمعية بدورنا.. لقد حاولنا التكفل به بما هو متاح لنا من إمكانيات، قمنا بتسوية وضعيته مع الضمان الاجتماعي، عرضناه على أطباء مختصين، لكن الموت كان أسرع، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة وحيدا بمستشفى سطيف، قبل أن يستعيد عافيته وتجري الدماء في عروقه من جديد، ليرى أن الجحر الذي كان يؤويه أوصلته الجمعية بالكهرباء وزودته بأفرشة وبطانيات كانت حلما له في حياته.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات