+ -

اتجهت الكثير من العائلات الجزائرية، إلى الاستعانة بخدمات من يقوم بشؤون بيوتها لتخليصها من “كابوس” الأشغال المنزلية والتسوق وغيرها من أعباء البيت التي تثقل كاهل الزوجين، والحل في تخليصهن منها، الفتيات القادمات من الأرياف والنازحين الأفارقة من الجنسين. وإن كانت هذه “الموضة” ضرورة أملتها العصرنة والانشغال في العمل للبعض، فهي ليست إلا “بريستيج” للبعض الآخر.“ن. عبد القادر”، كهل في العقد السادس من العمر، حوّلته الظروف المعيشية الصعبة وحالة العوز، إلى خادم داخل أحد بيوت العائلات الميسورة الحال بسيدي بلعباس، بحكم استحالة ضمانه قوت عائلته اليومي من القيمة المالية للتقاعد الذي غادر بموجبها إحدى المؤسسات الخاصة التي شغل على مستواها منصب حارس لعشريتين كاملتين.يعترف محدثنا بصعوبة “المهنة” التي بات يزاولها منذ حوالي خمس سنوات من الآن “خاصة أن الطرف المستخدم لا يتسامح في الكثير من الأحيان معي حين يتعلق الأمر بخدمة غير متقنة أو نسيان اقتناء ما طلب مني من قبل أصحاب البيت” حسب عبد القادر الذي راح يتذكر وهو يسرد حكايته مع الوضع الجديد، حادثة كان من الممكن أن تنهي “مهامه” بصفة نهائية منذ حوالي شهر من الآن “حين تغيبت عن تأدية مهامي لساعات معدودة كنت فيها مضطرا لاصطحاب زوجتي إلى إحدى عيادات الطب الجواري العمومي، دون أن أشعر أهل البيت”. وتقتصر مهام عبد القادر غالبا في اقتناء مشتريات العائلة التي تدفع له شهريا ما يعادل العشرة آلاف دينار، كما أن المعني هو المسؤول عن اصطحاب الابن الأصغر من المدرسة إلى البيت يوميا، ناهيك عن تأدية أشغال منزلية أخرى، على غرار إصلاح بعض الأعطاب البسيطة كتلك المتعلقة بالسباكة على سبيل المثال لا الحصر. ويعترف عبد القادر، بأن الثقة التي بات يحظى بها وسط أفراد الأسرة المستخدمة أصبحت بمثابة الحبل الذي بقي يتمسك به حتى لا يخسر “منصبه” الحالي “مع أن رب الأسرة عادة ما يفرط في معاتبتي وذلك حتى لأتفه الأسباب في بعض الأحيان على خلاف زوجته التي تعاملني بطريقة أحسن احتراما لسني المتقدم” كما قال. أما عمي صالح، الذي أفنى حياته في خدمة المسؤولين المحليين بولاية سطيف، فيحتفظ بالعديد من الذكريات الجميلة والسيئة عن مسؤولين كبار توافدوا على ولاية سطيف، فمنهم من جعله أحد أفراد العائلة، يشاركهم   طاولة الغذاء، لكن طريقة تكليفه بالأعمال تكون بصيغة الأمر والتعنيف، ما يحز في نفسه “تصوروا أن زوجة مسؤول كانت تقوم بإرسالي لشراء الحاجيات بشكل متقطع، فبدل أن أشتري كل اللوازم، يتم تقسيمها إلى خمس مرات أو أكثر، دون مراعاة لكبر سني”.ربع راتبي للخادمة لضمان راحتيبالمقابل، تستنجد المرأة العاملة بالخادمة للتخلص من الضغوطات “سهام” وهي طبيبة أسنان بعيادة خاصة وأم لأربعة أطفال، التقيناها بدالي ابراهيم بالعاصمة، أين وجدناها في رحلة بحث عن خادمة بيت، إذ توجهت إلى الإفريقيات اللواتي اتخذن من الساحة المركزية لدالي ابراهيم مستقرا لهن، أين يتلقين طلبات “توظيف منزلي”، وعن أسباب لجوئها إلى خادمة بيت حدّثتنا عن حاجتها الماسة إلى خادمة تتولى تنظيف المنزل مرة أو مرتين  في الأسبوع.وتابعت سهام “وظّفت إحدى فتيات مداشر ولاية تيبازة، وكانت تقيم عندي طوال الأسبوع وتتولى تنظيف البيت، لكن حصولها على شهادة البكالوريا عن طريق المراسلة جعلها تترك البيت وتلتحق بالجامعة “خلاتني قفة بلا يدين” تردف سهام. واضطرت محدثتنا الاستعانة أسبوعيا بإحدى الإفريقيات اللواتي يعرضن خدماتهن نظير مقابل مادي لا يقل عن الـ 2000 دينار لليوم الواحد، وهو مبلغ اعتبرته سهام معقول بل كانت مستعدة لإضافة زيادة عليه إن تطلّب الأمر، لترتاح من تنظيف البيت وتتفرغ للطبخ فقط حين تعود مساء.اقتنصنا فرصة بحث السيدة سهام عن الرعية النيجيرية ميريام التي سبق لها أن استعانت بها في القيام بأشغال البيت منذ أسبوعين، لنتقدم من فتيات جالسات بالمكان ذاته لعرض خدماتهن، كن يتكلمن لغة فرنسية غير سليمة، وفهمنا من خلال الحديث معهن أن خدماتهن تتمثل في يوم عمل بالمنازل، يبدأ من التاسعة صباحا إلى غاية الرابعة مساء، يقمن خلاله بجميع الأشغال المنزلية التي تقترحها ربة البيت مقابل 2000 إلى 3000 آلاف دج وحسب طبيعة العمل، حيث أوضحت إحداهن أن كثيرا من البيوت تحوي حدائق تتطلب التنظيف.الحاجة وهجرة بنات المداشروتشهد عدة أرياف ومداشر ولايتي تيبازة والبليدة، هجرة للفتيات بموافقة من أولياء أمورهن للعمل كخادمات لدى عائلات بالعاصمة، حيث تمكث الفتاة ببيت تلك العائلة طيلة أيام الأسبوع لتزور عائلتها في نهايته، وأحيانا تطول المدة لأسبوعين أو أكثر، رغم أن المتعارف أن فتيات الأرياف لا يغادرن منزل العائلة إلا رفقة والدتهن، غير أن الحاجة دفعتهن لمثل هذه التنازلات، وجعل تلك العائلات تسمح لبناتها للعمل كخادمة بيوت أو أعمال أخرى مقابل مبلغ من المال لا يتجاوز8000 دج، تمنحها الفتاة بدورها للوالد لشراء الحاجيات الأساسية لأفراد أسرته. هنا تقول كريمة ذات 21 ربيعا جاءت من بلدية حجوط بتيبازة للعاصمة بطلب من عائلة تعرف جيرانهم كي تشرف على خدمة بيت امرأة تشتغل في إحدى الوزارات، وبعد القبول اتفقت الأخيرة مع والدة الفتاة أن تدفع لها مبلغ 10.000 دينار عن كل شهر عمل تقوم فيه كريمة برعاية الطفلين غير المتمدرسين وتنظيف البيت وكل الخدمات اليومية باستثناء نهاية الأسبوع لزيارة عائلتها.بنبرة ممزوجة بالحسرة، أضافت كريمة “إذا احتاجت العائلة إلى خدماتي نهاية الأسبوع في حال استقبالها لضيوف أو كان للسيدة زيارات عائلية، أضطر إلى المكوث عندها على أساس أن ذلك يدخل ضمن بنود اتفاقها مع والدتي، وهذا رغم أنني المعنية بالأمر، وبالتالي يتوجب عليّ قضاء أسبوعين متتاليين ببيت تلك العائلة لأجني تعبا وقهرا دون أن أشتكي، لأن ذلك يعني تسريحي من العمل الذي تقتات منه عائلتي الفقيرة”.حياة تقطن بالعفرون، ولاية البليدة، وتعمل خادمة لدى إحدى العائلات العاصمية ببن عكنون، تحدثت عن طبيعة نشاطها وقالت “حاولت مرارا البحث عن عمل أقتات منه مع أمي وأبي الكفيف وإخوتي الأربعة، لكن دون جدوى، فكلما قصدت شركة أو مؤسسة طلبا للعمل كمنظفة لم أجد، ولم يبق أمامي سوى خدمة البيوت التي قبلتها عن مضض لأن مدخولها ضعيف جدا، إضافة إلى أنني مجبرة على المبيت عند تلك العائلة، ولا ألتحق ببيتي حتى نهاية الأسبوع “فالعمل في البيوت ليس بالعيب، بل العيب أن تتبع الطرق الملتوية لتحصيل المال”... وللمسلسلات العربية تأثيرهاوإذا كانت الضرورة قد أملت على بعض العائلات الاستفادة من خدمات عاملات البيوت، فإنها لا تعدو أن تكون عند البعض مجرد “بريستيج” استلهم مما تقدّمه الدراما التركية والخليجية وقبلها المصرية، التي تعرض  للمشاهدين مظاهر العيش الرغيد والرفاهية التي لا تكتمل دون خادمة تسهر على راحة ربة البيت وضيوفها.فبعض الجزائريات رغم أنهن ماكثات في البيوت، ولديهن متسع من الوقت للقيام بشؤون مملكتهن وطلبات أفراد عائلاتهن، إلا أنهن لا يستغنين عن الخادمة ما دامت البحبوحة المالية التي يتمتعن بها تضمن لهن ذلك.المختصة الاجتماعية في شؤون الأسرة أمينة حريشخروج المرأة للعمل وراء عودة خدمة البيوتأرجعت المختصة الاجتماعية في شؤون الأسرة، أمينة حريش، أسباب اتساع دائرة ظاهرة خادمات البيوت إلى خروج المرأة للعمل، موضحة أن الأسرة التقليدية، كانت تكتفي بما يلبيه الرجل من حاجيات، ونتيجة للتحولات العميقة التي يشهدها المجتمع بفعل انتشار وسائل الاتصال والعولمة، أصبحت الأسر الجزائرية تسعى لتوفير الكماليات. وأضافت حريش، أن المرأة العاملة تعيش في سباق مع الزمن لضمان راحتها النفسية والجسدية، خاصة أن الحجم الساعي للمرأة الماكثة بالبيت أقل بكثير من الحجم الساعي للمرأة العاملة التي تعود إلى منزلها منهكة نفسيا ومتعبة جسديا، وبالتالي نجدها تفضّل البديل المتمثل في خادمة البيت التي تتولى أعمال المنزل لتتفرغ هي للطبخ وإدارة أمور الأطفال لتخفيف الضغط عليها وضمان راحتها النفسية، فينعكس ذلك إيجابا على حياتها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات