+ -

يظل اسم الزعيم البوركينابي الأسبق، توماس سونكارا، راسخا في أذهان الشعوب الإفريقية، بفضل سياساته الثورية لصالح الشعب ”البوركينابي” خلال فترة حكمه بين 1983و1987، وخياراته المناهضة للامبريالية والنزاعات الكولونيالية الجديدة. وبعد ثلاث وثلاثين عاما عن اغتياله خلال انقلاب عسكري قاده رفيق دربه ”بلاز كونباوري”، يقدمه المخرج السويسري ”كريستوف كوبلان” في شريطه الوثائقي في صورة ”قائد ثوري كان يريد إسماع صوت المقهورين في إفريقيا”،الأمر الذي ألّب عليه القوى الغربية التي كانت تريد الإبقاء على قارة سمراء خاضعة وتابعة. أوضح المخرج السويسري ”كريستوف كوبلان”، خلال عرض فيلمه ”النقيب توماس سونكارا” أول أمس، بقاعة الموڤار بالجزائر العاصمة، ضمن فعاليات الدورة السادسة، من مهرجان ”الفيلم الملتزم”، أن شخصية الرئيس البوركينابي ”سونكارا”، تعد صفحة مشرقة من نضال بعض القادة الأفارقة للتخلص من الهيمنة الغربية، ومن سياسات ما بعد الكولونيالية. وذكر كوبلان في ندوة صحفية عقب عرض الفيلم، أنه كان يعي جيدا بأن خليفة ”سونكارا”، رفيق دربه ”بلاز كونباوري”، لن يتخلى عن السلطة وسوف يحكم البلد لفترة طويلة، وبالفعل ظل كونباوري في الحكم من سنة انقلابه على سونكارا، خلال ”الخميس الأسود” من عام 1987، إلى غاية أكتوبر 2014، بعد مطالب شعبية بتخليه عن الحكم. يقدم فيلم ”توماس سونكارا” شخصية قائد ثوري مشبع بالأفكار الاشتراكية ومعاد للامبريالية، تمكّن من وضع أسس ثورة شعبية في ”فولتا العليا”، التي حولها إلى بوركينا فاسو، والتي تعني ”بلاد الرجال الشرفاء”،عقب صعوده إلى الحكم على إثر انقلاب قاده ضد الرئيس العسكري ”جان باتيست أوي درا أوغو”، في أوت 1983. وتمكّن سونكارا من وضع أسس نظام سياسي يستند إلى نظام ”الديمقراطيات الشعبية”، فتمكن من وضع حد للنظام العتيق، الذي كانت تتحكم فيه الإقطاعية المحلية، عبر إنشاء مجلس وطني للثورة، ولجان الدفاع عن الثورة الشعبية، وحكم البلاد طيلة أربع سنوات، ولم يكن يملك سوى ”ما يعادل اليوم مائتين وثلاثة أورو وغيتارتين”.استطاع المخرج ”كريستوف كوبلان”، تقديم ”سونكارا” في صورة ثوري الأزمنة الحديثة، الذي تماهى مع الشعب البوركينابي. يظهر تعاطف المخرج السويسري مع شخصية سونكارا جليا، نظرا لمعرفته الدقيقة بالثورة الشعبية التي شهدتها بوركينا فاسو بفضل ”سونكارا”، إذ عاش في العاصمة ”واغادوغو” خلال تلك المرحلة الحاسمة، وقال: ”كنت أشعر حينها إن الشعب كان بصدد المسك بزمام أموره”. وبالفعل تقدّم مقاطع الأرشيف التي حصل عليها ”كوبلان” من التلفزيون السويسري، الزعيم البوركينابي، وهو يتخذ قرارات لصالح الفئات الشعبية، ويقضي على الرشوة، ويتخذ مواقف مناهضة للامبريالية وللنظام العالمي، الذي كان يسعى لترك إفريقيا في حالة من التبعية والهيمنة، ويسعى لإحداث تغييرات اجتماعية عميقة، بكسر شوكة البورجوازية المحلية. ومن بين اللحظات العميقة في الفيلم، الخطاب الذي ألقاه توماس سونكارا بالجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 1984، والذي رافع من خلاله مع نظام دولي عادل، لافتا الانتباه إلى صوت المقهورين، معتبرا أن القارة السمراء يسكنها بشر وليس عبيدا. خرج سونكارا من سرب ما يسمى بسياسة ”فرنسا الإفريقية”، فكان يسعى لتشكيل جبهة مناهضة للغرب، لذلك حاولت وسائل الإعلام الفرنسية تقديمه في صورة زعيم موالي للعقيد القذافي تارة، وللقوى الماركسية تارة أخرى، بغية وضع حد لأفكاره الثورية التي انتشرت في إفريقيا بشكل سريع، فشكلت خطرا ليس فقط على الهيمنة الفرنسية، بل حتى على سياسة ”الأبارتيد” العنصرية المنتهجة حينها في جنوب إفريقيا، الأمر الذي حمل الرئيس الفرنسي فرانسوا متيران، على اعتبار سونكارا كشخص ”مثير للقلق”. وبالفعل دعا سونكارا في جويلية 1987، خلال اجتماع قادة منظمة الوحدة الإفريقية إلى ”عدم دفع الديون”، لأن ذلك لن يؤدي إلى ”موت البنوك الرأسمالية، لكنه في حالة الدفع، فإنه سيقتل الأفارقة حتما”، ليضع بذلك الخطاب اللبنة الأولى للأفكار المناهضة للنظام الدولي غير العادل. ولم يستند كوبلان خلال إخراجه للفيلم إلا على أرشيف التلفزيون السويسري، أو بعض الأرشيف المأخوذ من قنوات تلفزيونية فرنسية على غرار ”فرانس 2” وقناة ”تي أف1”، وقال خلال رده على أسئلة الصحفيين، إنه حاول التقرب من عائلة سونكارا لإجراء بعض الحوارات، لكنها رفضت الفكرة. وينتهي الفيلم عند شهادة الرئيس ”بلاز كونباوري”، وهو يظهر أسفه لاغتيال رفيق دربه، وبمشاهد عن شباب بوركينابي واقف حول قبر ”توماس سونكارا” الذي يبقى حسب المخرج شخصية ثورية افريقية تركت بصمتها، وقال كوبلان: ”أتمنى أن تظهر الحقيقة بشأن اغتيال سونكارا يوما”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات