38serv

+ -

تكسر العائلات في القرى والمداشر مع كل موعد موسم جني الزيتون، الذي ينطلق بداية شهر نوفمبر، هدوء الغابة وحاجز الخوف الذي ارتبط بها في سنوات الإرهاب،  من خلال زرع القنابل التي لا تزال تحصد أرواح مواطنين عزل، ذنبهم حاجتهم لكسب رزقهم من  جني الزيتون، الذي يخلّف سنويا حوادث مميتة وإعاقات بالجملة، وقد يكون ذلك  من العوامل التي تجعل سعر زيت الزيتون مرتفعا.تستعد معظم العائلات بولاية البويرة، لاستقبال موسم جني الزيتون، مصدر رزق مئات الآلاف من العائلات، حيث تخرج  كل صباح  محملة بالأكياس الفارغة، لتعود في المساء  محملة بحبات الزيتون الساطعة الألوان، تنشر معها أجواء من الفرح العائلي الذي قلّ ما تجد له نظيرا خلال بقية أشهر السنة. وأدى ارتفاع أسعار زيت الزيتون خلال السنوات الأخيرة من معدل 100 دينار للتر الواحد إلى 80 دينارا،  رفع درجة اهتمام العائلة الجزائرية وخاصة القاطنة بالبويرة، بأشجار الزيتون وجعلها  تسعى إلى توسيع عمليات غرس الأشجار  ومساحاتها، علما أن عددها نحو 4 ملايين شجرة، وتحتل عمليات جني الزيتون مكانة متميزة في أنشطة العائلة في البويرة،  لما توفره من مداخيل موسمية، وباعتبارها فرحة سنوية تجمع أفراد العائلة لأشهر متواصلة حول نفس النشاط.السقوط والانزلاق يحوّلان فرحة الجني إلى أحزانغير أن هناك حوادث تقع لهذه العائلات أثناء جني الزيتون، وتقلب فرحتها إلى حزن، على غرار السقوط والانزلاق من المنحدرات. وحول عمليات الجني ومخاطرها، قال ضحاك حميد “50 سنة” طبيب من مدينة مشدالة التقته “الخبر” بحقل أشجاره رفقة زوجته الطبيبة أيضا، وأولاده وأقاربه  “الفترة التي نقضيها في جني الزيتون تقّرب أفراد العائلة من بعضهم البعض بعد قضاء ساعات طوال في الجني الجماعي، إلا أن العملية مع ذلك غالبا ما تكون مرهقة خاصة إذا ما تهاطلت الأمطار”. وأضاف “أن لعملية جني الزيتون مخاطر كبيرة كخطر السقوط والانزلاق بسبب غياب ثقافة استعمال الوسائل الحديثة في جني الزيتون، كما أن المنحدرات والمرتفعات تتسبب في الانزلاق خاصة لدى فئة كبار السن.ولعل ما يثبت ما حدّثنا عنه الطبيب، حالة صفية طالبة جامعية، 22 ربيعا من بلدية الأصنام، سقطت من أعلى شجرة، حيث روت الحادثة قائلة “أتذكر جيدا أنني تسلقت الشجرة وكلي فرح وثقة، إذ تسلقت أغصان الشجرة في عملية جني حبات الزيتون، غير أنني لم أعلم أن وزني لا يتحمله غصن الشجرة لأهوي وأستيقظ بمصالح الغستشفائية بعدما تم تحويلي إلى مستشفى البويرة، حيث أصبت على مستوى يدي اليمنى. حالة أخرى حدّثنا عنها “ش.م” بالقول “خالتي عمرها 50 سنة والقاطنة ببلدية تازمالت ولاية بجاية، كانت قد قدمت خصيصا إلى منزل العائلة للمشاركة في عملية جني الزيتون، غير أن ما حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث  سقطت من أعلى الشجرة وهوت على الأرض الصخرية، مما تسبّب لها في شلل تام أقعدها السرير”. أما الحالة التي شهدتها بلدية بودربالة بدائرة الأخضرية بداية الأسبوع الماضي، فهي  مأساوية، حيث تسبّب سقوط حامل من أعلى شجرة الزيتون في وفاتها ووفاة الجنين ببطنها. وتحدث القائد تبان، من مديرية الحماية المدنية لولاية البويرة، بلغة الأرقام، أن مصالحه تدخلت وقدّمت الإسعافات الأولية لأكثر من 70 حالة حولت إلى  مختلف المصالح الاستشفائة. وأضاف ذات المتحدث أن أغلب الحالات سببها السقوط المباشر من أعلى أغصان الأشجار، وعلّل ذلك بسبب افتقار السكان للوسائل الحديثة في عملية جني الزيتون، وإن وجدت  يصعب إيصالها واستعمالها بسبب طبيعة المكان.بين المتعة والخطرورغم أن ولاية بومرداس المعروفة بإنتاج زيت الزيتون، وتربعها على مساحة 7925,5 هكتار من مجموع  المساحة المنتجة والمقدرة بـ 6716  هكتار، إلا أن الأسعار بها تجاوزت المعقول، مما جعل المواطن البسيط يعيش بين المطرقة والسندان، خاصة وأن هذه المادة التي أصبحت أساسية على طاولة العائلات تراوحت أسعارها هذه السنة بين 600 دينارا إلى 800 دينارا للتر الواحد.ولارتفاع أسعار زيت الزيتون، ضريبته بالنظر إلى الحوادث التي تقع أثناء عمليه جنيه، فهناك الكثير من النسوة اللواتي فقدن حياتهن إثر انفجار قنابل يدوية زرعت في المسالك الغابية خلال العشرية السوداء، في حين بترت أرجل العديد منهن، وهن الآن يعشن بعاهات مستدامة.نسوة يتحدين القنابلفخلال الثلاث سنوات الماضية، خلّفت القنابل المزروعة من طرف الجماعات الإرهابية في كل من الثنية وعمال و بني عمران والناصرية، وفاة امرأتين وإصابة 5 أخريات بجروح، وإن كانت هاته النسوة قد تحدين  الموت في سبيل الرزق، بولوجهن بغابات يحظر الجيش الدخول إليها  في كل من  جبال جراح  ببلدية عمال، بني عمران والناصرية بسبب القنابل المزروعة، فإن أخريات تحدّين ظروف الطبيعة رغم تقدّمهن في السن، فالمعروف أن أغلب منتجي الزيتون أشخاص متقدمين في السن ومتقاعدين.وفي هذا الصدد تقول  الحاجة “نوارة” أرملة من بلدية بني عمران 68 سنة، أن عملية  جني الزيتون جد شاقة، فهناك العديد من النساء تعرضن لكسور،  مسببة إعاقة مستديمة، إضافة إلى الصعوبات التي تواجه العائلات  للوصول إلى حقولها  الواقعة في أعماق الغابات، لغياب المسالك وفي العادة يكون الوصول إليها مشيا على الأقدام، وهو ما يعرّض هؤلاء إلى خطر الموت خاصة بغابات بني عمران وعمال والناصرية التي تتاخم غابات سيدي علي بوناب. وإذا كان جني الزيتون في العديد من المناطق، يقتصر على المسنين كما ذكرنا، فإن بلدية بني عمران، كسرت هذا العرف، إذ جميع أفراد العائلة يتوجهون إلى الحقول لجني المحصول.تقول نسيمة، موظفة بولاية بومرداس،  إنه مع  نهاية الأسبوع تتوجه رفقة عائلتها الصغيرة لجني الزيتون، والتي تجد فيه متعة ومساحة للقاء الجيران الذين يجتمعون للمرة الواحدة. وبالرغم من أن نسيمة من جيل الشباب، إلا أنها متشبثة بالعادات والتقاليد المتوارثة، فشجرة الزيتون بالنسبة لسكان ولاية بومرداس تمثل هوية المنطقة، كما أن العديد من العائلات تعتمد على جني المحصول لكسب قوتها اليومي. تقول خالتي يمينة 67 سنة والتي تعيش مفردها في كوخ وتعاني الحرمان والفقر بقرية بوسماعيل ببلدية عمال،  أن سبيل قوتها اليومي  هو ما تجنيه من بيع  زيت الزيتون، متحدثة عن الصعوبات التي تواجهها لجني المحصول، حيث تخرج من  منزلها صباحا لتعود إليه في المساء ،رغم برودة الطقس.ولا تتوقف المعاناة عند هذا  الحد، بل تتعداه إلى حمل الكميات التي يتم جمعها من الزيتون وجنيها إلى المنازل، وفي الغالب تضطر العائلات إلى حمل هذه الكميات على ظهر الدواب نظرا لاستحالة دخول الجرارات والعربات لصعوبة المسالك.وبعد عملية  الجني، يتم وضع الزيتون في أكياس او صناديق بلاستيكية، لينقل إلى المعاصر التي تقوم بعصر الزيتون بمقابل مالي، حيث أن ثمن عصر قنطار من الزيتون حدد بـ 800 دينار للكلغ.وقال منتجو الزيتون، إن المعاصر والظروف الصعبة لجني المحصول هي التي تحدد الأسعار، بالإضافة إلى مردودية القنطار الواحد، وتتراوح الأسعار بين 600 و800 دينار للتر الواحد، في حين يتجاوز السعر 1500 دينار للتر الزيت المنتجة تقليديا في المنازل والتي تستعمل غالبا للتداوي.7 حالات سقوط في تيزي وزووفي تيزي وزو، ذكرت  مصالح الحماية أنها سجلت  في أسبوع واحد من شهر ديسمبر الجاري، ما لا يقل عن 7 حالات سقوط من أعلى أشجار الزيتون  في بلديات تيرمتين، تيزي وزو، سيدي نعمان وغيرها، وليست الظاهرة جديدة ، بل لحملة جني الزيتون ضحاياها في كل موسم، حيث يعاني العديد من المواطنين الإعاقة بسبب سقوطهم من فوق الأشجار، كما توفي آخرون متأثرين بجروح أصيبوا بها بنفس السبب. وتعد طبيعة الأراضي بالمنطقة من بين الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحوادث المؤلمة، حيث تتواجد أشجار الزيتون في مواقع خطيرة لا تسمح بأي طريقة لجمع المحصول سوى تسلق الشجرة، مع ما يمثله ذلك من أخطار. وفي أغلب الأحيان، فإن السقوط ينتج عن تكسر الأغصان التي تهوى بسرعة بمن فوقها، أو نتيجة فقدان التوازن. كما يتعرض المواطنون في هذه الفترة لأقسى العوامل الطبيعية، ويضطرون لجني الزيتون وسط درجة حرارة منخفضة وتساقط الأمطار، وذلك بسبب استحالة تأجيل العملية تحت طائلة إتلاف المنتوج. ورغم ذلك، فإن أصحابها لا يجدون بديلا من جني هذا المحصول الذي إن لم يوفّر الأرباح، فإنه يغني المواطن على الأقل عن مصاريف اقتناء هذه المادة التي لا يقل سعرها عن 800 دينار للتر الواحد. ولا يزال العديد من مواطني المنطقة يستأجرون الحمير لنقل الزيتون من الحقول نحو المعصرة أو نحو الطريق الرئيسي بسبب موقع الحقول في أماكن لا توجد إليها ممرات . وذكر مواطن لــ“الخبر” أنه يملك حقل زيتون متواضع ويقوم باستئجار حمار بتكلفة 1000 دينار يوميا لنقل المحصول إلى داره قبل أن يحوله مجددا عن طريق السيارة نحو المعصرة، وهو ما يترتب عنه متاعب ومصاريف تجعل سعر زيت الزيتون مرتفعا. ويشدد مواطنو منطقة القبائل، على أن 800 دينار للتر الواحد يعد ثمنا أقل من الثمن الحقيقي الذي يجب أن تباع به هذه المادة وذلك بالنظر للمشاق والمتاعب التي ترافق حملة جني الزيتون.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات