+ -

يخوض الكثير من الأزواج المرتبطين بأكثر من زوجة، معارك يومية لضمان العدل بين الزوجتين، وشراء “السلم المنزلي” في الحرب الأزلية بين الضرّتين، وفيما ينجح البعض في الحفاظ على الهدنة بينهما، يرفع آخرون الراية البيضاء ويستسلمون لحقيقة أن العدل بين الضرتين ضرب من الخيال. “و.محمد” رجل في بداية العقد الخامس من العمر، سبق له منذ حوالي خمس سنوات، أن قرر الزواج للمرة الثانية، إذ يقول بأنه تقدّم بظرفين إلى زوجته الأولى بهما رسالتين، الأولى يدعوها من خلالها إلى قبول عرضه بجلب زوجة ثانية والبوح بذلك أمام الجهات القضائية حتى يتسنى له “إكمال مشروعه” من دون عقبات، فيما احتوى الظرف الثاني على رسالة تتيح للزوجة الأولى الذهاب إلى القاضي للمطالبة بالطلاق إن رفضت الفكرة “قبل أن تختار زوجتي الظرف الأول بعد اقتناعها بالقضاء والقدر”.المساواة من سابع المستحيلاتويجزم محمد، التاجر البسيط، بأنه لم يكن ليلجأ إلى هذا الخيار “لولا الضغط الرهيب الذي عايشته مع زوجتي الأولى بفعل شكوكها اللامتناهية في تصرفاتي وفي علاقاتي خارج مجال الزوجية، مع أنني كنت من أشد المتمسكين بالتقيد بالحلال”.ويرى محدثنا بأنه يبقى من سابع المستحيلات على أي رجل المساواة بين الزوجتين، خاصة إذا كانت هناك فوارق كبيرة في السنّ بينهما “مع أن المعضلة الكبرى تكمن في وضعهما جنبا إلى جنب تحت سقف واحد وهو ما تفاديته منذ الوهلة الأولى تفاديا لانفجار القنبلة الموقوتة” كما قال.أما في الشق المتعلق بالواجبات المنزلية، فيؤكد محمد بأنه جد حريص على “مصروف” العائلتين معا حسب قدراته المادية “مع أنني متزوج من امرأتين عاملتين تسدان حاجياتهما الشخصية من عائدات عمليهما في غالب الأحيان” كما قال “إلا أن الأصعب يبقى في ميولاتي الفردية لواحدة على حساب الأخرى خاصة في الشق المتعلق بالمكان المفضل للمبيت، وهنا تدخل العديد من المعايير في الحسبان على غرار السن والقدرة على الجذب والاستمالة لدى كل واحدة منهن”.ويروي محمد، قصة طريفة كان الطرف الأوسط فيها، وهي التي تزامنت مع موعد زفاف ابنته الكبرى “وهنا كان الموعد للتلاقي بين الزوجتين داخل قاعة الحفلات، ولكن ليس لتبادل التهاني والقبلات بل لتتباهى كل واحدة على حدا بجمالها وحسن مظهرها قبل أن تتدخل الوالدة لإخماد لهيب تبادل النظرات الحادة ونار الغيرة تفاديا لصدام كان وشيك الحدوث”.ويبقى الأكيد هو عدم قبول الزوجة الأولى بأي حال من الأحوال تواجد “ضرة” إلى جانبها حسب محدثنا الذي اعترف بإهماله لما ينص عليه الدين الحنيف في الشق المتعلق بالمساواة في المعاشرة خاصة خلال الفترة التي تلت بقليل مرحلة دخول “عالم التعدد” “حين تحولت إلى مفكك قنابل موقوتة بامتياز”.الجمع بين ضرتين مستحيل تحت سقف واحدواستطاع “م.م” أن يوازن بين زوجتيه، إذ يحاول جاهدا توزيع وقته بالتساوي لإرضائهن، وقال معترفا “عجزت عن جمعهما تحت سقف واحد، لأن الزوجة الثانية رفضت الإقامة في وهران حيث تقيم زوجتي الأولى، حفاظا على منصب عملها بالعاصمة.وتابع المتحدث “اصطدمت برفض الزوجة الأولى عندما اقترحت عليها الانتقال إلى العاصمة والعيش في بيت واحد، وتحججت بدراسة أبنائها في وهران”.واستسلم محدثنا أمام هذا الواقع، وقال سأواصل التنقل بين الولايتين، وأحاول تدبير شؤون العائلتين بالعدل، لكن أعترف بأن إنصافهما من حيث الوقت والعاطفة صعب تحقيقه،” فالأولى صعبة المراس وفضولية كثيرا بخصوص تحركاتي، فيما تتمتّع الثانية بشخصية هادئة ومتفهمة لا تتوقف عند صغائر الأمور، كما لا تحشر أنفها في أمور لا تعنيها”.وعن يومياته، يقول المتحدث “من يتزوج أكثر من امرأة كمن يدير شؤون عدة مؤسسات في الوقت ذاته، وهي ممارسة يومية مرهقة، خاصة أن طلبات النساء لا تنتهي وطباعهن متقلبة، لكن متعة الحياة في تعبها وشقائها أحيانا، فالتفاف الأولاد حولي والعراكات الجانبية هي جزء لابد منه في الحياة”.ومن الطرائف التي تطبع يوميات الأسرتين، استحضر المتحدث واقعة أخذ فيها ابنه من الزوجة الأولى إلى العاصمة قصد علاجه من مرض نادر، فوجد نفسه مضطرا للمكوث بالقرب من المصحة لمتابعة العلاج وكذا لتحضير ملف نقله للعلاج بالخارج في حال استدعت حالته الصحية ذلك.يتابع محدّثنا “توجّهت إلى بيتي بأحد أحياء العاصمة حيث أقيم مع زوجتي الثانية، وأخذت معي ولدي، وما إن طرقت الباب وفتحت زوجتي الباب والتقى الصغار كلهم لأول مرة، حتى بدأت تنشأ علاقات أخوة ومودّة بينهم، والغريب أنه بعد استكمال العلاج وجدت نفسي أمام رفض الابن العودة إلى أمه الأولى بعدما ألف العيش مع الأسرة الثانية، فاضطررت إلى محاولة إقناع الزوجتين بالعيش في ولاية واحدة”.معاناة زوج قبل التعددمن جانبه، يقول السيد محمد 56 سنة، تاجر متزوج بثلاث نساء وأب لـ5 أطفال “اخترت التعدد لأنني عانيت من عدة مشاكل في زواجي الأول، لكني صراحة وأنا بهذا السن لم أعد أقوى على تلبية طلبات زوجاتي الثلاث وأبنائي، الأمر صعب جدا، فأنا أقسم أيام الأسبوع بينهن بالعدل، بينما يبقى يوم من عطلة نهاية الأسبوع نجتمع كلنا في منزل العائلة”.ويشاطره الرأي عادل، 37 سنة، موظف بقطاع عمومي، متزوج بامرتين “أحاول جاهدا إرضاء زوجتي الأولى والثانية، فما أن ألج البيت حتى تنطلق أسطوانة مشاكلهما، أحيانا أجد ذلك دراميا فآخذ أبنائي الثلاثة وأخرج فاسحا لهما المجال للشجار. فمهما حاولت إرضائهما لا أستطيع، أقسّم وقتي بينهما بالعدل بتلبية رغباتهما،أما بالنسبة للعطل ونهاية الأسبوع، فأوزّعهما بالعدل بينهما، دون الحديث عن فترة مرض أطفالنا، فإذا أصيب أحدهم بوعكة صحية واهتممت به تتهمني الثانية بإهمال ابنها، حقا مهما حاولت، إرضاء النساء غاية لا تدرك.ضرتان لكن شقيقتينليخالفهما الرأي عمي رشيد 50 سنة، متقاعد ومتزوج بامرأتين بالقول “أعيش حياة سعيدة في كنف أبنائي وزوجتاي، فكل منهما تعامل الثانية كأختها حتى عندما أغيب عن المنزل أكون مرتاحا، نعيش في منزل واحد دون أية مشاكل، أذهب للعمل صباحا وأعود مساء لأرتاح بالمنزل، بينما أخصص نهاية الأسبوع والعطل للتنزه مع عائلتي.    المختص في علم الاجتماع، الدكتور الحسين محمد أمين“العـدل بيـن الزوجات مستحيل”قال دكتور علم الاجتماع بجامعة الجيلالي اليابس بسيدي بلعباس، الحسين محمد أمين، إن ظاهرة تعدد الزوجات في الجزائر مثيرة للكثير من الجدل عند النساء والرجال على سواء”، مرجعا السبب رلرفض الأغلبية الساحقة من الزوجات وجود “ضرة” منافسة بالمنزل، “خاصة وأن أي زوجة تعتبر لجوء زوجها إلى خطوة من هذا القبيل كإنقاص من قيمتها وإساءة كبيرة لها.وعادة ما يصاحب خطوة الزوج الجديدة، شعور غريب وتصرفات طائشة لدى الزوجة الأولى التي يتغلغل إلى نفسيتها شعور بالإحباط اعتقادا منها بأن ما حصل يبقى نتيجة عدم مساهمتها في إنجاح العلاقة الزوجية، كما تباشر ذات الزوجة عملية تفادي نظرات المجتمع لها، اعتقادا منها بأنها ستبقى بمثابة المرأة الخائبة والمهملة والضعيفة من منظور من يحيط بها، مما يعرضها للانزواء ويجعلها على الدوام رافضة لفكرة التعدد من أساسها، بغض النظر عما تنص عليه الشريعة في المجال. ويبيح الدين الإسلامي، كما هو معلوم ومتعارف عليه، التعدد شريطة وجود عقود شرعية وتوفيق الرجل في العدل بين الزوجات، “إلا أن نقطة العدل على وجه التحديد تطرح بقوة في ظل تداخل ظروف ثقافية واجتماعية وحتى نفسية تحول دون تحقيق العدالة المثلى بين الأزواج في الجزائر”. “ويبقى العدل المادي الأقرب إلى التحقيق لدى من اختار التعدد مقارنة ببقية الجوانب الأخرى، خاصة لدى ميسوري الحال، إلا أن ذلك عادة ما تقابله صعوبات بالغة جدا للتوفيق في مجال المعاشرة الزوجية “وذلك نتيجة للتصورات المستقرة في ذهن الزوج حول زوجاته” يضيف الدكتور الحسين الذي أرجع ذلك إلى التحول الذهني الكبير للمجتمع في محددات الزواج. ويبقى اللجوء إلى التعدد لدى بعض الرجال “مخرجا ولو ظرفيا لرحلة ثنائية طغى عليها الفشل الروحي والجسدي وحتى المادي في بعض الأحيان”.ويعترف محدثنا بأن موضوع الزواج عامة بات في غاية الخطورة بالجزائر، بالنظر للارتفاع المذهل لمعدلات العنوسة دون احتساب الأرقام الخاصة بنسب الزواج الفاشل (12 مليون إناث و9 ملايين ذكور بلغوا سن الزواج دون أن يكون لهم ذلك منذ سنة 2005) لذلك فقد بات من الواجب مراجعة جملة من الأمور بما في ذلك المفاهيم المجتمعية الخاصة بفكرة التعدد خاصة لدى النساء.الشيخ سامي عيشورإمام مسجد السبطين بمدينة سطيف“التعدد مستحب ودواء للكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية”اعتبر الشيخ سامي عيشور، إمام مسجد السبطين بمدينة سطيف، أن التعدد حل شرعي للكثير من الأزمات الاجتماعية والنفسية، فهو خير دواء للعديد من المشاكل الداخلية بين الأزواج وحل أمثل للعنوسة في الوقت الراهن، لكنه يبقى مرهون بالقوة والاستطاعة بمفهومها الشامل، فهو حلال  ليس على المطلق. فمن الناحية الشرعية، قال الله تعالى في محكم تنزيله “وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى أن لا تعولوا”، فهذه الآية دليل على الحكم بالاستحباب، لكنه تعالى قال في آية أخرى “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم” وهو دليل واضح على صعوبة الأمر لمن لا يملك الاستطاعة المعنوية لا المادية، والمقصود بها هنا الحب والجماع. فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” وقالها الرسول الكريم في حب عائشة التي كانت أحب زوجاته إلى قلبه، أما الاستطاعة المادية، فهي واجبة وملزمة و الحرص عليها ثابت، وتكون بالنفقة في حدود السعة مع العدل بين الزوجات بقدر الأولاد، لكن لا خوف على الرزق من التعدد فالله تعالى يقول “نحن نرزقكم وإياهم” كدليل على أن الرزق يكون بقدر الأولاد والأزواج، وهي دلالة على أن الله تعالى أحلّ التعدد لمحاربة الزنا والعنوسة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات