+ -

تيسير خالد هو قيادي في حركة “فتح”، شارك في الانتفاضة الأولى بكل فعالية.. التقت به “الخبر” وفتحت معه ذكريات الانتفاضة الأولى في ذكراها الأربعين.الانتفاضة الأولى برأيك جاءت نتيجة ماذا؟ الانتفاضة هي ابن الشعب الفلسطيني، توحَّد عليها، فثملت عنده أيام عز وفخر وكبرياء، وأدخلته مرحلة مهمة من مراحل نضاله، وصار هذا المصطلح عالميا، دخل كل القواميس، الانتفاضة نتاج ما جاء قبلها من انتفاضات صغيرة وتمرد وعصيان فلسطيني، ونتاج ما قامت به الفصائل الفلسطينية من مقاومة، وتشكيل اللجان والعمل التطوعي في كل مناطق فلسطين المحتلة، وأفرزت هيئة القيادة الوطنية الموحدة لجانا أخرى.أنت كنت في السجن حين انطلقت الانتفاضة. كيف كانت وقعها على الأسرى؟ لما كنت أسيرا في ذلك الوقت، كنت سعيدا كثيرا بما زرعه الفلسطينيون في أرضهم من تظاهرات وغضب واعتصامات، رفضا للاحتلال ولسياسته التي أتت أكلها، وهذا النبأ أسعد آذان الأسرى.لماذا سعدتم في السجون بانطلاق الانتفاضة؟حينها انتفض الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، ولم أعد أسيرا، أفرج الاحتلال عني، لأستثمر ذلك في المشاركة بكل قوة وبكل كياني في الانتفاضة، لأنضم إلى هيئة القيادة الوطنية الموحدة، ولكن لم أتمكن من الاستمرار في المشاركة لسبب قاهر.لماذا؟ سرعان ما أسرت في أقل من 100 يوم، لأمضى مدة في السجن، ثم أبعدت إلى لبنان، في ظل هذا وذاك كان عندي وعند الأسرى نشوة كبيرة لمتابعة الأوضاع على الأرض، لكن الاحتلال كان يكبلنا ويمارس شتى أنواع القمع والتنكيل بنا، وعلى الرغم من التنكيل والقمع، كان الأسرى يجتمعون حول المذياع إن توفر لديهم لسماع الأنباء عن الانتفاضة.كيف تشبِّه لحظة الإبعاد عن الوطن آنذاك؟ الأمر أشبه بالإعدام، حينما يقتلعونك من جذورك ويرسلونك إلى مهب الريح، حتى مع الترحيب الكبير من أبناء شعبنا في لبنان ومن الشعب اللبناني، كانت المعاناة قاسية جدا، ولكن كان لدينا طموح كبير في تطوير أدوات الانتفاضة آنذاك. وكان التهاب الضمائر أقوى من الإبعاد والسجن.حدثنا عن لحظات ما زالت عالقة في وجدانك من أيام الانتفاضة.. عندما تُتّهم عائلة بأنها آوت فدائياً، يتم اتخاذ إجراءات عقابية ويتم أيضاً تدمير المنزل. وعندما حاصروا المسجد وخرجنا في مجموعة من الشباب، اشتبكنا مع قوات الاحتلال، وأُصيب 20 شابا ووقع 4 شهداء، بعد هذه اللحظة أنا أقول إنّ الانتفاضة خرجت من إطار مخيم بلاطة نابلس إلى كل الضفة الفلسطينية. وفي 30 مارس 1976، كان مخيم بلاطة يخرج عن بكرة أبيه للتظاهر ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتضامناً مع أهلنا في النقب وفي الجليل والمثلث، لذلك لي تاريخان للميلاد: واحد في 1/8/1961 والآخر في 30/3/1976 يوم الأرض.واستمرت التظاهرات عام 1976 بعد شرارة يوم الأرض، وكأنها انتفاضةٌ أوليّة، وفي ذكرى النكبة في مايو/أيار عام 1976، تظاهر الفلسطينيون مجدداً في الضفة وقطاع غزّة، وخلال تظاهرات مدينة نابلس قتل الجيش الإسرائيلي لينا نابلسي ابنة الـ15 عاماً.حسب رأيكم، هل حققت الانتفاضة أهدافها؟ الانتفاضة حققت وثيقة الاستقلال التي أعلنت أيام الانتفاضة، واستثمرت سياسيا بعودة القيادة الفلسطينية وجزء من أبناء شعبنا إلى أراضينا المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد توقيع اتفاقية أوسلو. ولأول مرة تنعكس المعادلة: الفلسطينيون كان الاحتلال يبعدهم عن أرضهم، وإحدى حسنات الانتفاضة أنها أعادت جزءا من أبناء شعبنا إلى وطنه، لتوقف جزءا من رحلة الإبعاد والخروج الذي يذكرنا بنكبة 1948 ونكسة 1967، والانتفاضة كان لها نتائج إيجابية فيما يتعلق بنظرة العالم إلى القضية الفلسطينية، وأن شعب فلسطين يستحق الدعم.هل تفاجأتم بالمفاوضات التي تدور بوساطة وفد أردني في مدريد؟ الفلسطينيون والمبعدون منهم تفاجئوا بالمفاوضات التي تدور بوساطة وفد أردني في مدريد، وأفضت على ما يبدو إلى مفاوضات مباشرة سرية لم يكن يتكهن بها أحد، ربما لاعتقاد القيادة آنذاك بضرورة تحقيق الهدف السياسي.وما هو الهدف السياسي؟ رأت القيادة أنه لا ينبغي أن نقاتل من أجل القتال أو نموت من أجل الموت، بل لا بد من تحقيق الأهداف السياسية بإقامة دولة فلسطينية، فدخلت هذا المحك مع العدو الذي يتربص بالفلسطينيين وينكث العهود والوعود، ظنا منه بأنه سيلتزم، غير أن التجربة كما ترى أثبتت أنه لم يلتزم وكذاب.بعض الفلسطينيين يحمِّل عرَّابي أوسلو كل الإفرازات السياسية الحالية. ما رأيك؟ أرفض تخوين من وقعوا في اتفاقية أوسلو، لا تفهم الأمور هكذا، فهم اجتهدوا ولم يحقق اجتهادهم نتائجه المرجوة، والشعب الفلسطيني لا يمكن أن يستسلم أو يفرط في حقوقه إن فشل السياسيون في جلب حلول يرضى عنها الشعب، فستكون خيارات أخرى مفتوحة، منها المقاومة بكافة أشكالها ما بقينا تحت الاحتلال، ولا أحد يستطيع أن يفرض على الشعب كيف يقاوم؟ لكن نحتاج إلى رؤية موحدة.ما العبرة الأبرز من انتفاضة الحجارة إلى انتفاضة السكاكين؟ وحدة الشعب هي الصخرة المتينة التي تتحطم عليها المؤامرات، وهي أساس الانتصار، فالتفرق هو الضعف والهوان وعدم القدرة على تحقيق الهدف الذي كان ينادي به أبناء الانتفاضة، ويجب أن يكون الهدف نفسه الذي يسعى إليه المنتفضون، وهو إنهاء الاحتلال. الاحتلال يخشى أن يثور الشعب ضده وضد سياسته التعسفية الرامية إلى نفي الشعب الفلسطيني خارج وطنه، فالانتفاضة صارت في شعور كل مواطن، ومن السهل المشاركة فيها، فهذا لا يحتاج إلى علم وافر أو سلاح جرار، فقط امتشاق الحجر والسكين وإيصال الرسالة إلى العالم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات