"النظام السوري يوظف داعش كعدو ضروري لاستمراره"

38serv

+ -

أكد الصحفي والكاتب المعروف جورج مالبرونو، في حديث لـ”الخبر”، أن فرنسا ارتكبت خطأ فادحا في تقدير قوة نظام الأسد الذي يعرفه جيدا من الداخل، وتغيير موقفها من الأزمة السورية مؤخرا كان منتظرا في تقديره بل ومفروضا نتيجة صمود الأسد وعدم واقعية شعار “لا الأسد ولا داعش”. ويجدر الذكر أن مالبرونو الذي يعد حاليا أهم متخصص في سوريا، قد انفرد العام الماضي بحديث حذر فيه الرئيس الأسد من عواقب الموقف الفرنسي. الصحفي الذي اشتهر بعد إطلاق سراحه في العراق إلى جانب رفيق دربه كريستيان شينو شريكه في تأليف كتاب “دروب دمشق.. الملف الأسود للعلاقة الفرنسية السورية” وبتحاليله في “الفيغارو”، خص “الخبر” بمعلومات سرية عن الصراع الذي دار بين السفير الفرنسي في دمشق والمخابرات الداخلية والخارجية وعن موقف السفير إريك شوفالييه الذي دفع ثمن موقفه بسبب استمراره في تحدي الرئيس ساركوزي الذي غير نظرته للصراع في سوريا مثل الرئيس هولاند.هل تربطون الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس مؤخرا بصفة آلية بالتغير الذي طرأ على الموقف الفرنسي من الأزمة السورية وبالتالي التحاقها بصف التحالف الدولي ضد داعش أم لكم وجهة نظر أخرى؟ نستطيع القول ذلك إذا عرفنا أن الهجمات جاءت مباشرة بعد شروع فرنسا في ضرب الجهاديين الفرنسيين الذين التحقوا بداعش، وكلنا يتذكر قول رئيس الوزراء مانويال فالس بأن فرنسا سوف لن تفرق بين جهاديين أجانب وفرنسيين أثناء قصفها مواقع داعش. من ناحية أخرى، يجب لفت الانتباه إلى العلاقة غير المباشرة زمنيا، ذلك أن التحاق شبان فرنسيين بداعش لم يتم في المدة القصيرة الأخيرة ويعود تاريخه إلى أكثر من سنة وانتقلوا إلى مرحلة التنفيذ بعد أن تلقوا تعليمات فوقية لضرب فرنسا خارج موطن الخلافة المعلنة ردا على تغييرها الجذري لموقفها من الصراع القائم في سوريا منذ ربيع 2011. وكما تعرفون، فقد كانت فرنسا متمسكة برحيل الأسد وبضرب نظامه إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، مراهنة على سقوطه السريع والوشيك وعلى المعارضة التي اعترفت بها منذ البداية، الأمر الذي أدى إلى غلق السفارة الفرنسية في دمشق وإلى قطع العلاقات الديبلوماسية. ويعد تغيير فرنسا موقفها نتيجة مباشرة لسوء قراءتها للأزمة السورية ولفشلها في تقدير حدود إمكانيات معارضة ممزقة، ولدفاع موسكو وطهران بكل الأساليب الممكنة عن حليف استراتيجي يعد رقما أساسيا في الحرب الباردة الجديدة القائمة بين واشنطن وموسكو انطلاقا من مصالح متضاربة تتجاوز النزاع من وجهة نظر إقليمية وتضرب بجذورها في صراع دولي أشمل وأعمق.أعرف أنك الصحفي الأوروبي الوحيد الذي استطاع محاورة الأسد في دمشق والمرجع الذي يعول عليه للحديث عن الأزمة السورية، وتوجت معرفتك الكاملة بها بكتاب “دروب دمشق.. الملف الأسود للعلاقة الفرنسية السورية” الذي ألفته بالتعاون مع كريستيان شينو رفيقك الذي كان محتجزا معك في العراق. حدثنا عن علاقة مقاربتكم الأزمة السورية من منطلق معرفتكم بالنظام من الداخل بما أسميتموه بسوء تقدير باريس لهذه الأزمة؟ لقد آمنا منذ البداية بقوة وصلابة النظام السوري وبقدرته على المناورة واعتماده على حليفين تتوقف مصلحتهما على بقائه في السلطة، ألا وهما طهران وموسكو، وهذا ما حدث فعلا. وأخطأت باريس في تقديرها هذه الحقائق الإقليمية والدولية وراهنت على سقوط بشار بسرعة، مؤمنة بنظرية الدومينو في إطار مسلسل الربيع العربي الذي أدى إلى سقوط بن علي والقذافي ومبارك وتمادت في موقفها المؤيد لمعارضة فاقدة للمصداقية ومقسمة ومتجاوزة خصوصية صراع لا يشبه في شيء ما حدث في الدول العربية التي سقطت فيها بعض الأنظمة الحاكمة. فرنسا التي غيرت موقفها من الأزمة السورية بيمينها ويسارها أخطأت منذ البداية مع ساركوزي ورئيس وزرائه جوبيه واستمرت في الخطأ مع فرنسوا هولاند وفابيوس تجسيدا لعمى عبثي، ولقد سقنا كما ذكرتم قصة موقف السفير الفرنسي إريك شوفالييه الذي نبه باريس منذ ربيع 2011 إلى صلابة النظام السوري والذي دفع ثمن موقفه بإنهاء مهامه كسفير في دمشق وتحويله إلى قطر، وكتب هذا السفير في برقياته الديبلوماسية: “نظام بشار قوي ولن يسقط وسيستمر في السلطة”.الأسد استمر في السلطة كما قال، لكن السفير الفرنسي لم يستمر في منصبه كما كان متوقعا بسبب تعنت الرئيس ساركوزي أليس كذلك؟ تماما تماما، وردا على تصريح السفير قال له نيكولا غاليه، مستشار الرئيس ساركوزي، في مشادة كلامية عنيفة: “كفاك ترهات ويجب أن تنظر أبعد من أنفك ومعلوماتك المستقاة من واقع الحرب لا تهمنا. الأسد سيسقط ويجب أن يسقط” وبلغت المشادة درجة متقدمة من التعنيف.حدثنا عن بعض الأسرار الخطيرة الأخرى التي جاءت في الكتاب من باب تنوير بعض القراء الذين لم تصلهم أصداء الضجة الإعلامية التي تسببت فيها مع زميلك شينو؟ قبل إثارتنا الضغوط التي تعرض لها السلك الديبلوماسي والأجهزة الأمنية الفرنسية لتسويق خطاب باريس وتشويه تقرير المخابرات العسكرية الخارجية التي لم تؤكد استعمال الأسد لغاز السارازان عند قصف الغوطة كما طالب هولاند وتحدثت عنها في شكل فرضية فقط، بدأنا منهجيا بتاريخ كواليس العلاقات الفرنسية السورية على امتداد الأربعين سنة الماضية، كاشفين عن انفصام في شخصيات الرؤساء الفرنسيين الذين كانوا يتعاملون مع دمشق بازدواجية مرضية وغريبة، ومن الأمثلة التي ذكرناها قرار باريس بتزويد دمشق في سرية تامة بطائرتي هليكوبتر من نوع “دوفان” وأجهزة تؤمن اتصالات حاشية الأسد، في الوقت الذي كان يبدي شيراك عداءه للأسد المتهم باغتيال صديقه رفيق الحريري. الصراع السري الكبير الذي دار بين الديبلوماسيين الفرنسيين وأجهزة المخابرات الداخلية والخارجية حول الأزمة السورية منذ بداية انفجارها كان له حيز معتبر في الكتاب، وهو الصراع الذي انتصر فيه السفير إريك شوفالييه السفير الفرنسي السابق بعد أن فقد منصبه بسبب موقفه المستميت كما مر معنا. التغيير الفرنسي الذي طرأ مؤخرا يفسر الأخطاء التي ارتكبتها باريس في قراءة الأزمة السورية. وحسب كلود غيو، وزير الداخلية والأمين العام لرئاسة الجمهورية في عهد الرئيس ساركوزي، فإن تهميش موسكو وعدم اعتبارها الرقم الأول والأخير في معادلة الصراع السوري كان خطأ فرنسيا فادحا ووزير الخارجية ألان جوبيه لم يكن قارئا جيدا وواقعيا لهذا الصراع الذي نبهت إليه مصالح المخابرات الداخلية التابعة للسفارة الفرنسية في دمشق، وعوض التعامل مع موسكو كطرف تتوقف عليه كل الحلول الممكنة بحكم علاقته الإستراتيجية والتاريخية مع دمشق وطهران، راحت باريس تتغطرس تحت وطأة أنانيتها ونزعها للعب دور أكبر منها بكثير. وكما تبين لاحقا، فإن شيطنة الأسد لم تثمر بشيء إيجابي وبقيت قراءة مصالح المخابرات الداخلية لدور السلفيين والجهاديين صالحة حتى يومنا هذا.لكن القراءة الفرنسية كانت خاضعة للموقف الأمريكي وتغيرت حينما غير أوباما موقفه وعدل عن ضرب الأسد بعد استعماله السلاح الكيميائي ضد أبرياء لم يكونوا بالضرورة من جهاديي داعش، أليس كذلك؟ هذا صحيح ولكن فرنسا انفردت بقراءتها الإنسانية للأزمة السورية وبهوسها برحيل الأسد والصراعات السياسية تقوم على المصالح والواقعية والممكن وليس على النوايا الطيبة والتعاطف الإنساني، وتكتيكيا لم يكن من الممكن الاستمرار في رفع شعار “لا الأسد ولا داعش”، وسكوت باريس على شرط رحيل الأسد لإيجاد تسوية في سوريا كان حتمية سياسية وواقعية في ظل المعطيات الإقليمية والدولية وخاصة بعد دخول طهران في صف الدول الغربية بهدف محاربة داعش بعد تسوية الملف النووي الذي سمم العلاقات الإيرانية الأمريكية لسنوات. باريس لم تكن واقعية فقط في مقاربتها للأزمة السورية وربطت علاقات مصلحية مع شخصيات خليجية خاصة اتهمت بتمويل جماعات إسلامية مسلحة انحرفت نحو الشكل الذي أصبحت عليه اليوم. وكما ذكرت سلفا، فقد نبهت مع كرسيتيان شينو في كتاب “دروب دمشق”، منذ بداية الأزمة السورية، إلى الموقف الفرنسي الفج وغير المنسجم.فرنسا غير الواقعية والفجة، على حد تعبيركم، هي نفسها فرنسا التي تسعى جاهدة بعد ضربها في عقر دارها إلى تجسيد تحالف دولي غير واقعي بحكم تضارب المصالح والأحرى بها التحدث عن تنسيق على الأقل وليس عن تحالف. ما رأيكم؟ معكم حق ومفهوم التحالف غير دقيق وغير واقعي كما تقولون، لأن مصالح باريس وواشنطن وموسكو وطهران والرياض والدوحة ليست واحدة وحلفاء سوريا في المنطقة غير مستعدين اليوم لمناقشة رحيل الأسد كما هو حال باريس وواشنطن والرياض، كما أن التدخل العسكري البري غير وارد في أذهان القادة الأمريكيين والخليجيين، فضلا عن رفضهم ضرب موسكو فصائل سورية معارضة لا تمت بصلة لداعش، وواشنطن غير راضية عن ضرب موسكو للجيش الحر بهدف إنقاذ الأسد بأي ثمن.وهل يعد التنسيق أمرا ممكنا؟ (بعد تردد كبير) هذا أقل ما يمكن فعله والوزير الأول فالس تحدث عن تنسيق وليس عن تحالف.كيف لموسكو الادعاء بأن الأولوية هي التحالف دوليا للقضاء على داعش وتضرب المعارضة بدل داعش نفسها. أليس داعش ضروريا لاستمرار نظام الأسد؟ نعم نعم، هذا صحيح، والنظام السوري يوظف داعش كعدو ضروري لاستمراره ولا أدل على ذلك ضربه القوى المعارضة له ولداعش.هل يمكن القول إن تغذية داعش شرط مصيري لاستمرار النظام السوري؟ لا أعرف إن كان شرطا ولكن ترك داعش تمرح والدعوة إلى ضربها عالميا وضرب المعارضة غير الإرهابية لعبة روسية لا تنطلي على الأمريكيين والخليجيين والفرنسيين.أخيرا، كيف ترون مستقبل الصراع في سوريا؟ الأزمة ستبقى قائمة والعنف سيستمر مادامت المصالح الدولية والإقليمية متضاربة، والمقاربة العسكرية ليست كافية لمحاربة داعش.       

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات