38serv

+ -

 ركض الطفل متمسكاً بآخر حجر في يده، هارباً من جندي مدجج بالسلاح يلاحقه والخوذة تغطي رأسه.. وقف الطفل ونظر للخلف استجمع قواه وألقى حجره الأخير على الجندي.. انقلب المشهد وبات الطفل الصغير الأعزل يلاحق الجندي المسلح.  المشهد الشهير من ثورة الحجارة، التي يرى مراقبون أن الانتفاضة الأولى هي صاحبة الفضل في تعزيز قوى المقاومة، خاصة أنها أسست لمفهوم جديد في الأبجديات الفلسطينية، حيث عملت على نقل مركز قيادة وفِعل المقاومة من الساحات العربية الخارجية إلى الداخل الفلسطيني. أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، د.سمير عوض، قال: ”رغم أن مشروع التسوية بقيادة منظمة التحرير كان يهدف إلى إجهاض الانتفاضة أو قطف ثمارها قبل أن تنضج، فإن هذه الانتفاضة هي التي أوجدت البيئة الخصبة لإنشاء أجنحة المقاومة الفلسطينية جميعها اليوم”. واعتبر أن هذه المرحلة كانت فاصلة في تاريخ الشعب الفلسطيني، خاصة أنها وضعت في الوعي الفلسطيني والإسرائيلي أن الدم الفلسطيني ليس رخيصا، وأن هذا الشعب المحتل قادر على الرد وإيلام العدو. وبيّن أن هذه الانتفاضة نقلت قرار المقاومة إلى داخل الأراضي الفلسطينية، لافتا إلى أنه قبل اندلاعها في العام 1987 كان مشروع المقاومة ينطلق من دول الجوار، وهو ما كان يعرضها لضغوط وعوامل خارجية، بينما بقيت معظم أحداث الانتفاضة محصورة في الأراضي المحتلة عام 1967. من تكسير العظم إلى التجويع والترهيب، سياسات لا حصر لها، استخدمها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، لكنه فشل في إطفاء لهيب الانتفاضة. وفي هذا السياق يرى المحلل السياسي د. صالح عبد الجواد أن الانتفاضة بقيت راسخة في الوعي الفلسطيني، وعندما فشلت قمة كامب ديفيد 2000، وجد الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، أن مشروع التسوية قد سُد، وكان يرغب كعادته في الدفع بالفعل الشعبي على الأرض لفتح أفق في المشروع السياسي. وأشار إلى أن الشارع الفلسطيني اندفع كله باتجاه هبة جماهيرية نصرة للمسجد الأقصى، وهو يحمل في وعيه أدوات وأساليب الانتفاضة الأولى التي بدأ بها هبته الثانية والهبة الثالثة الحالية، لكن لا أحد كان يتوقع أن تمتد هذه الهبة لتصبح انتفاضة جارفة، وتنتهي بامتلاك فصائل المقاومة صواريخ تضرب عمق الاحتلال.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات