يرى القاضي عبد الله هبول، وكيل جمهورية ورئيس الفرع النقابي لمجلس قضاء قسنطينة، سابقا، أن رفض المحكمة العسكرية طلب سماع شهادة الفريق محمد مدين في قضية الجنرال حسان غير مفهوم، وأن هذا الموقف فوت على القضاء العسكري معرفة الحقيقة في هذه القضية. ويعطي هبول، في مقابلة مع “الخبر”، رأيه في دعوة توفيق إلى “رفع الظلم” عن الضابط السجين، ويقول إن قانون القضاء العسكري مجحف في حق العساكر المتقاضين.هل لشهادة الفريق توفيق بخصوص الحكم الذي صدر في حق اللواء حسان، تأثير على المسار القضائي والقانوني للملف؟ تصريح مدير دائرة الاستعلام والأمن سابقا، حول ملف الجنرال حسان، وإن جاء متأخرا، أي بعد الفصل في القضية، فإن هذا لا يمنعنا من القول إن إفادته كانت ضرورية لإظهار الحقيقة في الملف، وهي تعزز طلب الدفاع سماعه شاهدا في القضية، مع العلم أن قانون القضاء العسكري لا يمنع سماع الضباط السامين في هذه المؤسسة، بعكس سماع شهادة أعضاء الحكومة. وبالمحصلة، عندما لا ترى المحكمة العسكرية ضرورة للاستماع لشهادة الجنرال توفيق باعتباره المسؤول المباشر عن الجنرال حسان، فهي بذلك فضلت مراعاة المسؤولية التي كان يتولاها على حساب إظهار الحقيقة وتطبيق القانون وتحقيق العدالة.كان لوزير الدفاع سابقا، خالد نزار، ولرئيس الاستعلامات والأمن سابقا، محمد مدين، ردود فعل على حكم القضاء العسكري. هل يمكن أن تنجر عن ذلك تبعات قانونية ضدهما؟ التعليق على قرارات وأحكام القضاء، من حيث المبدأ، غير جائز. لكن قد تحدث في القضايا الكبرى التي تشغل الرأي العام، ردود فعل سياسيين ومن النخبة والمثقفين، وهو أمر مفهوم لأن العدالة صادرة باسم الشعب وللرأي العام حق الرقابة عليها. وألاحظ أن ردود الفعل لم تقتصر على نزار وتوفيق، وإنما صدرت عن أحزاب سياسية أيضا.خالد نزار وزير دفاع ورئيس أركان الجيش وعضو المجلس الأعلى للدولة سابقا، ومحمد الأمين مدين مدير دائرة الاستعلام والأمن سابقا، عبرا عن عدم رضاهما عن القضاء العسكري. وهو موقف يعكس رسالة سياسية موجهة إلى من يقف وراء تحريك الملف ضد حسان، وهو وزير الدفاع الوطني الذي يمسك بسلطة القضاء العسكري بين يديه، وهو في نفس الوقت رئيس الجمهورية. رد فعلهما موجه لوزير الدفاع قبل القضاء العسكري.وهنا ينبغي الإشارة إلى أن المادة 2 من قانون القضاء العسكري تضع السلطة القضائية بين يدي وزير الدفاع، وتعطيه وحده حق الملاحقة ضد الضباط.دعا توفيق إلى “رفع الظلم” عن حسان. كيف يمكن ذلك؟ هل بإمكان رئيس الجمهورية التدخل لإطلاق سراحه؟ رفع ظلم دعوى سياسية. في الوضعية التي يوجد فيها الجنرال حسان، المحكوم عليه بخمس سنوات سجنا، والذي طعن في الحكم، ستتكفل المحكمة العليا بالقضية لتقول كلمتها. في هذه المرحلة لا رئيس الجمهورية ولا وزير الدفاع يستطيع إنهاء سجن حسان. يبقى في رأيي الإمكانية القانونية المتاحة، وإن كان قانون القضاء العسكري لا يعالجها، هي اللجوء إلى قانون الإجراءات الجزائية باعتباره الشريعة العامة. وبما أن المحكمة العسكرية من حيث تركيبتها والأحكام التي تصدر عنها، تشبه محكمة الجنايات، يمكن للجنرال حسان الاستعانة بالمادة 128 من قانون الإجراءات الجزائية، فقرته الأخيرة، التي تذكر أن الطعن بالنقض في شأن الحبس المؤقت إذا تم رفعه ضد حكم محكمة الجنايات، فإن الفصل فيه يعود إلى غرفة المحكمة العليا المدعوة للنظر في هذا الطعن خلال 45 يوما.في كل هذا، أعتقد أنه ينبغي تطبيق المساواة بين المتقاضين. بمعنى أن الحق المكفول للمتقاضي المدني لا يمكن أن يحرم منه المتقاضي العسكري. من غير المعقول أن يحرم جنرال من حق الطعن في أمر حبسه، فيما يعطى هذا الحق لمعتاد على الإجرام! قضية حسان وقضية كحال مجذوب، مدير الأمن الرئاسي سابقا، المدان هو أيضا بالسجن، تضعان القضاء العسكري في الواجهة، فهو يتعرض لانتقادات شديدة بحجة أنه نص قديم ومجحف في حق العسكريين. هل توافق ذلك؟ أول ملاحظة في هذا الشأن، أن لجنة إصلاح العدالة التي ترأسها البروفيسور، المرحوم امحند يسعد، أوصت في تقريرها الصادر عام 2000 بإعادة النظر في قانون القضاء العسكري، من خلال تمكينه من هامش استقلالية أوسع حتى ينسجم مع القضاء المدني. غير أن هذه التوصية اصطدمت بإرادة يخدمها بقاء الوضع على حاله. قانون القضاء العسكري وضع في ظرف متميز (عام 1971) من طرف سلطة انقلابية غير منتخبة، ولم يكن هناك برلمان. هذا القانون يتضمن تضييقا وتقليصا لحقوق العسكريين عندما يجدون أنفسهم في مواجهة القضاء العسكري.القانون وضعه آنذاك العسكري وزير الدفاع هواري بومدين بهدف إحكام سيطرته على الجيش، وكان بمثابة بعبع وعصا غليظة ضد العسكريين. وقد جاء ليلغي قانون سبتمبر 1964 المتعلق بالقضاء العسكري، الذي وضعته الجمعية الوطنية المنتخبة، والذي حمل توجها ليبراليا وكان لينا ويكفل حقوق العسكريين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات