لم يصدر عن وزارة الدفاع رد فعل على الكلام القوي لمدير المخابرات سابقا، محمد مدين، بخصوص “جور” الإدانة بالسجن التي كان مرؤوسه السابق، الجنرال حسان، عرضة لها. موقف “توفيق” يضرب في الصميم جهاز القضاء العسكري، الذي يتبع مباشرة لوزير الدفاع. في العادة تتعامل وزارة الدفاع بحساسية كبيرة مع كل ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية ورجالها وهيئاتها. وغالبا ما تعبر عن موقفها عن طريق لسان حالها مجلة “الجيش” الشهرية. وقد مر على تصريح رئيس الاستخبارات 48 ساعة، من دون أن يثير ردا من المعنيين مباشرة بمضمون تصريحه، وهما وزير الدفاع وهو في نفس الوقت رئيس الجمهورية ونائبه الفريق أحمد ڤايد صالح، وهو في الوقت نفسه قائد أركان الجيش.توجد فرضيتان بشأن تعاطي مؤسسة الجيش مع الموقف “التاريخي” لأحد أبرز الفاعلين فيها حتى وقت قريب. الأولى أن يأتي الرد في افتتاحية “الجيش”، وهو المكان المفضل لإبداء المواقف السياسية للعسكر، أو يأتي عن طريق ڤايد صالح في أحد الخطابات التي يلقيها في زياراته المتكررة للنواحي العسكرية. والفرضية الثانية أن تطبق “المؤسسة” الصمت، في محاولة للتأكيد بأن ما اعتبرته الصحافة والطبقة السياسية “حدثا بارزا”، هو بالنسبة لها “لا حدث”. هذا الموقف المحتمل هو الأرجح، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن وزير الدفاع رفض الرد على رسالة “توفيق”، التي رفعها إليه لما كان في الخدمة، والتي تعلقت بالوقائع التي شكلت سببا لاتهام مسؤول فرع محاربة الإرهاب بالمخابرات سابقا.وبين الفرضيتين، قد تلجأ المؤسسة العسكرية إلى “خدمات” أحمد أويحيى. فالرجل سبق أن واجه مطلب سياسيين بإقحام الجيش في ترتيب فترة انتقالية، تسبق بناء دولة ديمقراطية حقيقية. حينها قال إن دور الجيش محدد في الدستور، بمعنى أنه مكلف بحماية البلاد من المخاطر الخارجية وفقط.وقد أثبت الجيش، في مرات كثيرة، أنه سريع التفاعل مع القضايا التي تهمه، خاصة إذا أشير إليه أنه يؤدي دورا في الحياة السياسية. وكلام الفريق مدين أخطر بكثير مما قيل من قبل لسببين. الأول أن الكلام صدر عن الرقم واحد في القلب النابض للجيش، وهو جهاز المخابرات ولمدة 25 سنة.والثاني أنه يتهم ضمنيا وزير الدفاع ونائبه بتلفيق تهم لضابط كبير برتبة لواء، كان مسؤولا عن محاربة الإرهاب في الأمن العسكري. لذلك، إذا ما تم تجاهل تصريح “توفيق” عن “ظلم” القضاء العسكري، فسيكون الجيش في هذه الحالة عبر عن موقف سياسي بالصمت.جميع المهتمين بأداء الجيش يتذكرون كيف أعاد مولود حمروش طرح دوره عشية انتخابات 2014. فقد دعاه إلى أن يكون وسيطا في حوار مفترض بين المعارضة والرئاسة. وردت وزارة الدفاع بحدة على هذه الدعوة، في أول عدد من “الجيش”، فقالت إن “الجيش الوطني الشعبي شارك غداة الاستقلال في بناء مؤسسات الدولة وتسييرها، أما اليوم، وبعد ربع قرن من اعتماد التعددية الحزبية وانسحاب الجيش من الساحة السياسية نهائيا، فإنه تفرغ لبناء جيش عصري محترف، يؤدي مهامه الدستورية، مع الحرص الكامل على النأي بنفسه عن كافة الحساسيات والحسابات السياسية”.وأمام صمت العسكر، جاءت ردود “المدنيين” محتشمة. ففيما تحاشى وزير العدل، الطيب لوح، الحديث مع صحافيين، أمس، حول القضية واكتفى بالقول إنها “بين يدي العدالة”، ذكر وزير الاتصال، حميد ڤرين، أن موقف مدين “كان عنيفا”، معيبا عليه “خروجه عن واجب التحفظ”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات