+ -

وقف الإسلام من أسباب التّعويق مواقف تقوم على الوقاية والتحرّز للابتعاد عن مباشرتها، وأحيانًا يرسم صور الاحتراز قبل بزوغ الأسباب بزمن طويل. أهم الاحترازات الّتي قدّمها الإسلام للوقاية من الإعاقة، الوقاية من الأسباب الوراثية، إذ من أهم ما يدعو إليه الإسلام المحافظة على النّسل، ويدعو المؤمنون ربّهم قائلين: “رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا”، ولا تكون الذرية قُرّة عين إذا كانت مصابة بإعاقة ما، ناقصة بعض الأعضاء أو متخلّفة العقل، وقد ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قوله: “تخيّروا لِنُطَفِكم فإنّ العِرق دسّاس”، فإذا كان الله تعالى قد رزقنا الوسيلة الّتي نحمي بها أولادنا من الإعاقة والرّسول يأمرنا بأن نسعى للعافية، فلماذا يهمل بعضنا الأخذ بهذه الأسباب والوسائل بحجّة التوكّل على الله وأنّ كلّ شيء مكتوب، ولا شكّ أنّ روح الإسلام يحملنا على مفهوم الوقاية من المكروه قبل وقوعه. ووجوب اختيار الزّوجة الصّالحة والزّوج الصّالح، حيث لا يقتصر الصّلاح -كما قد يفهمه البعض- على صلاح الأخلاق والدّين وإنّما يشمل فيما يشمل عدم وجود الأمراض الوراثية أو حتّى المعدية الّتي لا يمكن أن تنتقل إلى الزّوج ومنها إلى الذرية والّتي قد تسبّب الإعاقة، ولا يوجد ما يمنع من إجراء فحص للرّاغبين في الزّواج يثبت خلوّهما من الأمراض المعدية والعيوب الوراثية الظّاهرة أو الموجودة في تاريخ الأسرة.وكذلك رعاية الأمّ الحامل رعاية صحيّة دقيقة، وأثناء الحمل يمنع كثيرًا من المضاعفات والإصابات والتشوّهات والأمراض الّتي قد تصيب الجنين بالإعاقة. وبرعاية الأم الحامل يمكن التغلّب على كثير من الأمراض الوراثية الخطيرة، أو على الأقل تجنّب كثير من مضاعفاتهم. إلى جانب رعاية الأطفال الّتي تعدّ من أعظم القُربات، لأنّهم النّواة الأولى لبناء مجتمع سليم خالٍ من الأمراض والإصابات والإعاقات، والإسلام لم يغفل هذا الجانب وبيَّن حقوق الطّفل في الغذاء والرّعاية والانتماء إلى مَن يعوله ويرعاه ويحميه، وحقّه في الحياة وفي اسم جميل يميزهُ عن غيره من النّاس وفي العقيقة وفي التّربية والتّعليم، أمّا إهماله وعدم رعايته قد يجعله معاقًا يُثقل كاهل أسرته ووطنه، لذا كان من الواجب رعاية الأطفال والاهتمام بهم وحمايتهم الحماية الّتي تكفل لهم الحياة السّعيدة السّليمة.ومن الاحترازات أيضًا، الوقاية من الأمراض والاهتمام بالصحّة والنّظافة، لأنّ الإسلام دعا إلى القوّة وحفظ الصحّة الوقائية والعلاجية وحارب الضّعف سواء أكان قاصرًا أو متعديًا إلى السّلالات ولاسيما ما ينشأ من الآفات الّتي تتصل بوهن البدن أو ضياع العقل، يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “فر من المجذوم فرارك من الأسد”، ويقول عليه الصّلاة والسّلام: “لا يورد ممرض على مصح”، وفي هذا دليل واضح على وجوب الوقاية من الأمراض. وكذلك تأمين التّغذية سواء للأم الحامل أو للأطفال أو لجميع المواطنين وذلك حتّى نجنّبهم الإصابات بأيّ نوع من أنواع الإعاقة، يقول تعالى: “كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، والإسلام نهى عن الإسراف في الطّعام، كما أنّه يحرم علينا ألوانًا من الطّعام ضارة ومؤذية.البعد عن العلاقات الجنسية غير المشروعة: قال تعالى: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا” وهناك أمراض كثيرة تنتشر بسبب العلاقات الجنسية غير المشروعة وأشهرها وباء الإيدز المميت. يقول رسول الله: “وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم”.أمّا البُعد عن الخمر والمخدّرات، فهو من أهم الاحترازات الّتي قدّمها الإسلام للوقاية من الإعاقة، فالدّين الإسلامي حرّم الخمر لمَا فيها من أضرار جسيمة على الإنسان، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، وإنّ إدمان الخمر والعقاقير المخدّرة من أهم أسباب الإعاقة، سواء للشّخص الّذي يتعاطاها أو لما تبيّن من آثارها على الذرية، وموقف الإسلام واضح في منع وتحريم المخدّرات بل يضع الحلّ الوقائي بتكوين مجتمع تسود فيه العلاقات الاجتماعية السّليمة التي لا تدفع إلى الإدمان ويربّي الفرد بأسلوب لا يجعله فريسة سهلة لعادة ضارّة أو عقّار يدمن عليه. وقد تطرّق الإسلام إلى الوقاية من الحوادث المختلفة،كوجوب اتّخاذ الحذر للسّلامة من الحوادث الّتي تسبّب الإعاقة للإنسان عمومًا وللأطفال خاصة، قال عليه الصّلاة والسّلام: “إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك به على نصالها بكفّه أن يصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء”. ومن المعروف أنّ إصابات الحوادث بأنواعها من أهم أسباب التعوّق، وقبل أن يظهر علم السّلامة في القرن العشرين وتبلور في قواعد محدودة في مجالات الصّناعة والطرق والمنازل وغيرها فإنّ الإسلام وضع القواعد الأساسية للوقاية من الحوادث في المجتمع. وأمّا الوقاية من حوادث الحروب، فيجب على الدول الّتي تقع بينها حروب إبعاد الأطفال تمامًا عن ميادين القتال مشاركة فيها أو السكن والإقامة بالقرب منها، كما يجب الاتفاق دوليًا على منع استعمال الألغام لأنّها سبب رئيسي في انتشار المعاقين في العالم، هذا فيما إذا لم تستطع إيقاف الحروب من أصلها لأنّه لا يأتي من ورائها سوى الدّمار والخراب وكثرة المصابين والمعاقين. ولقد ثبت أنّ رسول الله عليه الصّلاة والسّلام كان يبعد ويمنع الأطفال من المشاركة في الحروب والغزوات، وذلك لعدم قدرتهم على القتال، ولتجنيبهم الإصابات المختلفة الّتي قد تسبّب الإعاقة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات