+ -

وجدناه تائها بحي المدنية في الجزائر العاصمة شارد الذهن، يفكر كيف يوفر قوت زوجة ابنه وأبنائه، بعدما تركهم أبوهم الهارب من قبضة العدالة، هو حال الشيخ الذي قال إن ابنه المتواجد بفرنسا ملاحق بـ5 سنوات سجنا نافذا لمشاركته في جريمة اعتداء على مواطن بمنزله وإدخاله في غيبوبة “ابني لايزال في عمر الزهور، تخلى عنا وعن زوجته وأولاده مقابل النجاة بجلده من عقوبة سالبة لحريته، غير أنه لم يذق طعم الحرية رغم أنه يعيش خارج السجن”. يتابع المتحدث كلامه وعلامات الحسرة مرتسمة على محياه “يتصل ابني بي يوميا لمتابعة أحوال وأخبار العائلة، ومن خلال نبرة صوته أحس بأنه نادم على فعلته ومدرك لما خلفه وراءه من مآسٍ تطال أسرته الصغيرة، فقد تسبب لنا في معاناة كبيرة”.كانت الكلمات التي ينطق بها السيد كمال توحي بأنه اشتاق إلى ابنه كثيرا، إذ قال: “لقد أخبرني أنه يعيش كابوسا، وأن الفرار إلى فرنسا أضحى بمثابة سجن، فشبح العدالة الجزائرية يطاردني حيثما جلست ونغص علي لحظات حياتي، جسدي في أوروبا وروحي ساكنة في الجزائر”.توقف محدثنا عن الكلام ووجه أنظاره إلى السماء آملا معانقة ابنه مجددا، ثم بصوت حزين تابع يقول: “سيعود إلينا قريبا، أظن أنه سئم الفرار، خاصة أن زوجته خيّرته بين العودة إلى الديار أو تطليقها”.  وعن الجريمة، قال الشيخ كمال إن ابنه اعتدى رفقة 3 أشخاص في إحدى الليالي البيضاء التي كان يحرس فيها بموقف سيارات على أحد الضحايا باستعمال السلاح الأبيض، ولم يجد سوى الهروب والتواري عن الأنظار خوفا من السجن، خاصة بعد أن تردد نبأ وفاة الضحية متأثرا بجروح خطيرة على مستوى رأسه، فأخذ يخطط للإفلات من رجال الأمن إلى أن بلغ الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، تاركا زوجته تقاسي الفاقة والعوز رفقة والده الطاعن في السن.تزوج وهو في حالة فراروذكر المحامي طارق مراح، المنضوي بمنظمة محامي العاصمة، حالة شاب يقطن في إحدى الولايات الشرقية، فرّ من قبضة العدالة نحو تونس بعدما عوقب بـ8 سنوات سجنا نافذا عن تهمة تبييض الأموال، لكنه لم يستسلم للواقع ولم يتحمل ابتعاده عن عائلته، فخاطر بعودته إلى الجزائر، من خلال الدخول خفية عبر الحدود الشرقية، والمكوث مع عائلته مدة، ليعود من حيث أتى دون أن تتفطن له الأجهزة الأمنية.والغريب في الأمر، يواصل المحامي، أن المتهم الفار من العدالة تزوّج وأقام حفل زفاف خلال المدة التي كان فارا فيها من العدالة، مضيفا أنه عاش حياته بشكل طبيعي رغم أنه ملاحق بعقوبة سالبة للحرية، كما أنه لم يبد أي قلق مما يلاحقه خاصة أنه كان يرى والديه دوريا، من خلال التسلل عبر الحدود التونسية الجزائرية.8 سنوات في الجبال والقرىومن الحالات الغريبة التي قاوم فيها الفارون ظروفا قاسية لمدة طويلة، استحضر المحامي “ع.زبير” المنتمي لمنظمة المحامين ناحية عنابة وقائع قضية محاولة القتل التي تورط فيها كهل وصدر ضده حكم غيابي، لكنه لم يمتثل وظل هاربا في الجبال والقرى لمدة قاربت 8 سنوات، قبل أن تحاصره أجهزة الأمن وتلقي عليه القبض.وفي قضية أخرى، قال المحامي نفسه إن جمركيا تورط في قضية تلقي رشوة تحمل وصفا جنائيا، وبعد إدانته هرب إلى فرنسا ومكث فيها أكثر من عشر سنوات، ليعود بعدها إلى الجزائر عبر ميناء عنابة، ليجد أن العقوبة سقطت بالتقادم.وإن كان من سبق الحديث عنهم يفضلون الهروب من عقاب العدالة، فإن بعض المشتكى منهم لا يستلمون استدعاء العدالة، كحال أحد المغتربين يقيم في إنجلترا، الذي وجد نفسه، حسب دفاعه الذي تحفظ على ذكر اسمه، متابعا قضائيا منذ سنة 2003، وقتها اشترك مع صديق له مقيم في الجزائر في إنشاء شركة لبيع السيارات المستوردة من أوروبا وأودعا أموالهما وقتها في بنك الخليفة، لكن السيارات لم يستلمها أصحابها، ليجد نفسه أمام حكم غيابي بـ5 سنوات سجنا وصدر في حقه أمر بالقبض، بغض النظر عن سبب إفلاس شركتهم، ومنذ ذلك الحين وجد نفسه في مأزق إذ يستحيل عليه العودة إلى الديار بحكم أنه فار من العدالة من جهة، ويعيش تحت وطأة الخوف في إنجلترا من جهة ثانية.    العدالة يدها طويلةمقولة شعبية لخص من خلالها المحامي عبد الرحيم بوحنة حديثه في رده على سؤال حول موضوع الإفلات من قبضة العدالة، موضحا أن “العدالة لن تفقد الأمل في اقتفاء أثر المجرمين”، وأشار في سياق كلامه إلى أن اختيار الفرار يترتب عنه تجاوزات أخرى كانتحال هوية الغير والهجرة غير الشرعية خارج الوطن، لكن بالمقابل، يضيف المحامي، “هناك بعض المجرمين من يستغلون بعض المواد القانونية للنجاة من عقاب السجن على غرار المادة 8 والمادة 614 من قانون الإجراءات الجزائية، المتعلقتين بتقادم الدعوى العمومية، وتقادم العقوبة بعد 3 سنوات بالنسبة للجنح و10 سنوات بالنسبة للجنايات وسنتين فيما يخص المخالفات”.وأضاف المحامي أن “الفرار من العدالة يأخذ عدة أشكال، على غرار الفرار أثناء مرحلة التحقيق الابتدائي (مثلما هو الحال بالنسبة لنجل الذي سبق التطرق لحالته)، وهناك من يفر أثناء مرحلة التحقيق”. ويتابع “هناك من يفر من قاعة الجلسات بسبب تهاون أفراد الأمن أو حتى من السجن، وهو الحال بالنسبة للشاب (ز.ر) صاحب 25 سنة، الذي حاول الفرار من زنزانة داخل مقر الشرطة المتنقلة لبلدية الأربعاء بولاية البليدة بتواطؤ من أفراد الأمن بينهم عميد شرطة، وتورط معه 22 شخصا مشتبها فيهم في مساعدته على الفرار.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات