بعد 3 سنوات من كتابة العمود، أرغب في التوقف عن الكتابة السياسة الساخرة منها والجادة، والتوجه إلى كتابة الأغاني، بعدما ألهمني التصريح الأخير للوزير الأول عبد المالك سلال، عند سؤاله عن الوضع في عين صالح، وحرك في داخلي الرغبة في كتابة كلمات الأغاني، ويشرفني أن أهدي الوزير الأول مقطعا من كلمات أول أغنية “الحالة لاباس يا لميمة، من مغنية لسوق أهراس.. الحالة لاباس من العاصمة إلى عين أمناس”.. لأول مرة أصدق مسؤولا جزائريا وأتفق معه مائة في المائة، بل لأول مرة أحس بصدق هذا المسؤول وصراحته.. نعم سيدي الوزير الوضع بخير، وكل شيء بخير، ومن قال عكس ذلك.. لا احتجاجات، ولا إضرابات، ولا “داعش” على الحدود، ولا تهريب أموال، ولا سرقات، ولا اعتقالات للمعارضين حتى البطالين منهم، لا قضايا فساد ونهب، لا رئيس مريض، ولا لهيب في الصحراء حتى تدخل الجيش و “الحالة هانية”.... نحن بخير أو فلنصحح العبارة، ونقول أنتم بخير سيدي الوزير، لقد تعوّد الشعب الجزائري عند الحديث، أن يفرق بين مصطلحين “هم ونحن”، “هم فوق ونحن تحت”، “هم السلطة والنظام ومن يدور في فلكهم، ونحن الشعب”، أو بلغة الشارع “هذوك” أو “هوما” أو “الجماعة فوق”.. أنتم بخير تعيشون في سلام نفسي واجتماعي واقتصادي، لا شيء ينقصكم فوق، لا تنزلون إلى الأسواق، ولا تسيرون في الطرقات، أنتم أشباح النظام الذين تظهرون فقط عندما يشتعل الضوء الأحمر، منذرا بأن من تحت بدأ يزلزل القواعد تحت أقدام من فوق.. نعم أنتم وحالتكم بخير والوضع متحكم فيه بالنسبة إليكم.نعم سيدي الوزير “الحالة لاباس”، بخير مادمتم أنتم بخير، وكيف لا تكونون بخير وأنتم تخرجون في سيارات مصفحة، وهناك من يفتح الطريق أمامكم، ليس لكم أطفال يدرسون في مدارسنا العمومية التي تعمها الإضرابات منذ سنوات في وضع أصبح ينذر بالكارثة، ولا مرضى في مستشفياتنا الشعبية المريضة، ولا عندكم فرد يعاني البطالة، ولا أحد من عائلاتكم لم يحصل على السكن، كل شيء بخير.. نحن نساندكم بكل قوتنا ونشد على أيديكم، اللّوم كل اللوم على هذا الشعب الذي ينغص أيامكم، ويفسد عليكم سعادتكم، ويشوش على أحلامكم، ويؤرق نومكم، ويزعجكم في استرخائكم.. نحن الشعب لا نستحي فعلا، “ما نحشموش”، ولا نريد أن نستحي ونترككم في سلام تعيثون في الأرض فسادا.. نحن الشعب الذي لا يشبع ولا يقنع، ولا يتوقف عن المطالب، قدمتم لنا كل شيء، بنيتم المطارات، وعبدتم الطرقات، وأنشأتم السدود، وأقمتم الملاعب العالمية والمكتبات والمتاحف وقاعات السينما والمصانع، وعمرتم المدن، ومنحتمونا السكن بالمجان، والصحة والتعليم المجانيين، ومنحتمونا حتى حق التنفس تحت سماء هذا الوطن، وحق التمتع بأشعة الشمس، بل أكثر من هذا سبحان الله حتى الصّخر تريدون حفره لأجلنا، واستخراج كل شيء لأجلنا، كل شيء من أجل مستقبلنا وراحتنا وفائدتنا.. يا إلهي كم نحن عديمو الضمير والمروءة، ناكرو الجميل والمعروف، تسهرون على راحتنا وتحفرون الصخر لأجلنا، وبعد كل هذا نحتج ونعتصم ونطلب المزيد من احترام لوجودنا ولحياتنا وأرضنا وبيئتنا.. نحن لا نستحي وعلينا أن نصلي وأن ندعو الله ليل نهار، كما فعلها منذ سنوات عادل إمام في مسرحيته “الزعيم “.. “اللهم خلينا جميع الزعماء والرؤساء وإديهم الصحة، اللهم يخرب بيوتنا إحنا”.. إذن استحوا قليلا يا أهل عين صالح وعودوا إلى بيوتكم، فلن تجدوا نظاما يحبكم ويخاف على مستقبلكم مثل هذا النظام، إنه يحفر الصخر لأجل مستقبلكم.. وأي مستقبل لكم إن ذهب هذا النظام.. وأي مستقبل للنظام إن ذهب هذا الشعب إلى الهاوية ونحن نسير إليها بخطى ثابتة على ما يبدو؟
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات