علمنا أن العين حق، لكن قد يبالغ بعض النّاس في الخوف من الإصابة بها خوفًا قد يمنعهم من أداء ما أوجب الله عليهم، وترك ما نهاهم عنه، فماذا يقال لمَن هذا حالهم؟ إنّ العين حق، كما ثبت في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلا يجوز لأحد إنكارها أو جحد تأثيرها، لكن يعاب على كثير من النّاس مبالغتهم وإفراطهم في توهّمهم الإصابة بالعين، إلى درجة تصل بهم إلى حدّ الوسوسة الّتي تؤذي صاحبها، فتجده سيئ الظنّ بالآخرين، يخفي عنهم آثار نعمة الله عليه خشية العين، ويسيء الظنّ بهم، ويقاطعهم ولو كانوا أقاربه، وهذا كلّه محظور شرعًا.ينبغي الاعتدال في أمر العين، فلا إفراط ولا تفريط فيها، وقد علّمنا ديننا بذل الأسباب الشّرعية في منعها قبل وقوعها، كالعناية بالمعوذات والأذكار الّتي منها آية الكرسي وسورتَا النّاس والفلق ودعاء “أعوذ بكلمات الله التامة من كلّ شيطان وهامة ومن كلّ عين لامّة”.ولا بأس أن يتحرّز المرء من العين بستر محاسن مَن يخاف عليه العين بما يقيه منها، فلقد قال سبحانه وتعالى على لسان يعقوب عليه السّلام: {وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلاّ لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون} يوسف:67، قال ابن عباس وغيره: “رهب يعقوب –عليه السّلام- العين، وذلك أنّهم كانوا ذوي جمال وهيئة”. وقال صلّى الله عليه وسلّم: “استعينوا على نجاح حوائجكم بالكتمان، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود” أخرجه البيهقي وغيره وهو حديث صحيح.هل يجوز للرجل الكذب والقسم بالله على شيء كذبًا إرضاء لزوجته؟ روى مسلم في صحيحه عن أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: “ليس الكذاب الّذي يصلح بين النّاس ويقول خيرًا ويَنْمى خيرًا” أخرجه البخاري ومسلم (والصواب: “ليس الكذاب الّذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا ويَنْمي خيرًا”).قال ابن شهاب: ولم أسمع يُرخّص في شيء ممّا يقول الناس كذب إلاّ في ثلاث: الحرب، الإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. فيجوز للرجل أن يكذب على زوجته حتّى ترضى ويجبر خاطرها إن هي غضبت أو حزنت.ولا بد أن نوضّح أمرًا هنا وهو أن الكذب في هذه الأحوال يأخذ حكم المقصد والغاية منه، فإن كان المقصد واجبًا كان الكذب واجبًا، وإن كان المقصد مباحًا فالكذب مباحًا، وهكذا.والأحوط في هذا كلّه أن يعتمد العبد على التورية، ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ مع تجنّب اليمين، لأن الله يقول: {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ} القلم:10.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات