في ستينيات القرن الماضي، لم تكن هناك برامج “أراب أيدول” ولا “ذو الفويس” لتكتشف المواهب. كانت الأصوات العربية تتنافس فيما بينها من أجل أن تفتك قلوب الملايين من عشاق الطرب، كانت الأصوات بأوزان ثقيلة.. عندما سُئل الملحن العربي الراحل محمد عبد الوهاب عبر أثير أمواج إحدى الإذاعات “من هو الصوت العربي الواعد؟”، قال: “عبد الحليم، فريد الأطرش”، وتجاهل فيروز، فسأله المذيع باستغراب “وأين فيروز من هؤلاء؟”، رد عبد الوهاب “أنت سألتني عن الأصوات الصاعدة.. أما فيروز، فهي صوت من أصوات السماء”. احتفل العالم العربي هذا الأسبوع بعيد ميلاد سيدة الطرب فيروز، بالصوت المتناهي في عشق اللحن والقصيدة الذي في رصيده أكثر من 60 عاما، متوَّجة بلقب “فنانة كل الأوقات”، كل الأجيال كل اللحظات وكل الذكريات، ففيروز وهي تغني في ستينيات القرن الماضي كان صوتها قد وصل إلى قلوب الملايين من أجيال اليوم.. إحساس مرهف بنكهة مقدّسة ترسم إشراقة الأوطان العربية، وتعيد الحنين إلى زمن تلاشى في زحمة الأحداث المأساوية.في حارة صغيرة من حارات بيروت الملقبة “زقاق البلاط”، شرق شمس الأغنية العربية يوم 21 نوفمبر 1935، ولدت “جارة القمر” باسم نهاد رزق وديع حداد، من عائلة فقيرة لم يكن رزقها في أي وقت مضى أغلى ثمنا من فجر ذلك اليوم الفيروزي، ليزف الصوت إلى العالم العربي مرصّعا بأحلى الكلمات وأعذب الألحان التي جمعت فيما بعد فيروز بزوجها الراحل عاصي الرحباني.يعود الفضل في اكتشاف صوت فيروز إلى الموسيقار محمد فليفل الذي قرر ضمها إلى فرقته بعد أن وجد في صوتها قوة في أداء الأناشيد الوطنية. وهي في سن الخامسة بدأت العمل مغنية في الإذاعة اللبنانية، واستمرت فيروز في حضن الإذاعة لسنوات طويلة، إلى أن تعرفت عام 1952 على الأخوين الرحباني، عندما بدأت الغناء لعاصي الرحباني وأخيه منصور الرحباني المعروفين بالأخوين رحباني، واللذان قدما لها العديد من الأغاني والأوبيرات.حظيت “عصفورة الشرق” بالعديد من الألقاب التي تمجد مسيرتها الفنية وتحاكي تاريخها، منها أسطورة العرب، سيدة الصباح، جارة الوادي، ملكة الغناء العربي.. وتفتقت موهبتها باكرا لتغازل مشاعر الكبار ويعلو اسمها سريعا حتى بات منافسا لأصوات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وإسمهان وليلى مراد، وغيرهم من نجوم الطرب الذين تربّعوا على عرش الغناء العربي.غنت فيروز لمدن العالم العربي الأصيلة، وخصت الشام ودمشق الفيحاء بكثير من الأغاني، ولا ريب في ذلك، لأن أهل دمشق يرون أن فيروز هي أكثر إنسان قادر على التأثير فيهم من بين كل سكان الكرة الأرضية، وتعتبر أغنية “زهرة المدائن” إحدى أشهر الأغاني العربية المهداة للقضية الفلسطينية، فيما لا تزال أغنية “بحبك يا لبنان” تحظى بشهرة واسعة، بجانب قائمة طويلة من الأعمال الغنائية.ظل صوت “ياسمينة الشام” وفيا لكلمات الحب والوطنية والتغني بالطبيعة، كما أدت أشعارا لجبران خليل جبران وأحمد شوقي وبشارة الخوري. وفي عام 2010، فاجأت فيروز جمهورها بألبوم غنائي ضم 12 أغنية، وجاء هذا الإنتاج بعد توقف عن الغناء دام عدة سنوات، وقد حقق الألبوم نجاحا مدويا في العالم العربي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات