كتب إليّ قارئ فطن وقلق اسمه “زين الدين من جزائر الأمل”، يقول: أتابعك منذ زمان وأعرف عنك الكثير... ولا أعرف عنك الكثير أيضا... ولكنني محتار... لماذا يتركك النظام تكتب ما تكتب ولا يبطش بك، في حين يبطش بغيرك من الذين يكتبون حتى ربع ما تكتبه أنت؟! هل الأمر يتعلق بوجود جهة ما تحميك من بطش النظام وهي في النظام؟! أم أنت عبارة عن جزء من النظام وتقوم بكتابتك بدور المتنفس؟! وإذا لم يكن الأمر كذلك... فهل الجزائر فعلا فيها الحرية إلى هذا الحد الذي تمارسه أنت في كتاباتك؟! إنني محتار في هذا الأمر وأرجو التوضيح !أولا: يا أخي زين الدين لماذا سيحاسبني النظام؟! بالمنع من الكتابة، فقد فعلها معي أيام الحزب الواحد أكثر من مرة.. وفعلها في وقت التعددية عدة مرات؟! أم يغلق الجرائد التي أعمل بها؟.. فقد فعلها أيضا عدة مرات، والتاريخ المهني يشهد بذلك؟! أم يوقف نشر الكتابات؟! فقد فعلها عدة مرات.. أكثر من ست مرات! أم سجني كما يسجن الصحافيين المتمردين؟! فقد سجنت أيضا أكثر من مرة بسبب الكتابات وليس بسبب السطو على المال العام؟!ثانيا: حتى التصفية الجسدية كانت واردة أيام وجود “الجيا” والجيش الإسلامي للإنقاذ، وقد قال لي وقتها أحد (الناصحين) من جهاز الأمن وهو ضابط درس معي في المدرسة الابتدائية... قال لي احذر فقائمة “الجيا” مفتوحة وأنت تستحق جنازة محترمة، أولها في دار الصحافة وآخرها في العالية! فقلت له يشرفني أن أكون الشهيد الثاني لأمي في هذه المحنة الوطنية. ولعل استقلالي الواضح عن طرفي النزاع خلال المحنة الدموية هو الذي حفظني من الوقوع في “الباراج”، وفي “الفوباراج”! وأسجل هنا تحية للقضاة البسطاء في العدالة، فقد حموني من بطش السلطة أكثر من مرة !ثالثا: تمنيت لو أن أحدا في النظام من باستطاعته أن يكون قدوة لي فأكون عميلا له في غير مأثم... لكن حتى الآن لا يوجد في النظام من يملأ عيني وأطمئن لعمالتي له؟! أنا لا أتمترس خلف أحد بل أختفي من جبني خلف جرأتي !رابعا: إذا كنت فعلا بكتاباتي عبارة عن صفارة “الكوكوط مينوت” بالنسبة للسلطة، فالذنب ليس ذنبي، بل ذنب السلطة التي تستغلني في التنفيس عن الضغط إذا كانت فعلا تفعل ذلك... ولست مسؤولا عن أعمال السلطة إذا لم تسمح لغيري من الصحافيين بما تسمح به لي، والسلطة مثل النار إذا اقتربت منها احترقت وإذا بعدت عنها جمدت.خامسا: شيء آخر قد يكون حماني من بطش السلطة وهو حرصي على عدم المساس بالمصالح العليا للوطن تحت كل الظروف، وكذلك حرصي على المهنية في كل ما أكتبه وابتعادي عن تحويل نفسي إلى ساحة للصراع السياسي بين الزمر السياسية المتصارعة على السلطة في البلاد.لهذا قال عني بعضهم: إن كتاباتي بالنسبة للسلطة مثل “بول الرضع” لا تنجس وبإمكان السلطة أن تصلي ببللها؟!سادسا: لكن أنا أزعم أنني حفرت هذه الخصوصية، التي أمارسها دون غيري، حفرتها في ذاكرة السلطة عبر 47 سنة من العمل المتواصل دون انقطاع، وعبر أكثر من 20 جريدة اشتغلت بها.. بدءا من أول تحقيق نشرته في 24 فيفري 1970، وتحدث عنه الرئيس بومدين في نفس القاعة التي أمّم فيها البترول سنة 1971، أي بعد سنة، وأمام العمال.. ومع ذلك أرى أنني مازلت مبتدئا في ممارسة العمل الصحفي الآن[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات