"أبناء مولنبيك ضحية بطالة قاتلة وأزمة هوية"

+ -

ترجع الكاتبة البلجيكية ذات الأصول الجزائرية، مليكة ماضي، الأحداث الأخيرة التي يعرفها العالم وتنامي ظاهرة التطرف الديني والإرهاب باسم الدين، إلى أسباب عديدة تلخصها في تهميش أبناء الجالية والأزمات الاقتصادية  التي مرت بها أوروبا وبلجيكا. وتقدم في هذا الحوار  مع “الخبر” قراءتها الخاصة للوضع، ومستقبل الجاليات المسلمة في أوروبا عامة وبلجيكا على وجه الخصوص.الحديث اليوم عن فاجعة باريس الأخيرة، عشت ككاتبة بلجيكية من أصل جزائري الاعتداءات. بحكم معرفتك لحي “مولنبيك” القريب من منزلك، كيف كانت ردة فعلك الأولية؟ مازلت ككل الناس العاديين تحت وطأة الصدمة وأتساءل، منذ الجمعة الماضي، عن العالم الذي أصبحنا نعيش فيه، ومازلت حائرة وضائعة وعاجزة عن هضم ما حدث، رغم أنني أتابع كل تحاليل السياسيين والصحفيين والمفكرين في مختلف المجالات الدينية والفقهية، وإلى حد الآن مازلت غير قادرة نفسيا على استيعاب الأسباب التي تفسر ما حدث والرد على سؤال “كيف وصلنا إلى هذا النوع من الظواهر؟”.إذن على ضوء احتكاكك بالشباب العربي والمسلم وأبناء المهاجرين من الجيلين الثالث والرابع، كيف هي قراءتك للتطورات الأخيرة وأسباب إلصاق التطرف بالدين الإسلامي؟  الأسباب كثيرة. شخصيا أعرف أنهم دفعوا ثمن الأزمة الاقتصادية التي رمت بهم في أحضان بطالة رهيبة، مازلت مستفحلة في صفوف أسرهم الفقيرة التي عجزت عن تجسيد القيم الدينية السمحاء في حياتهم اليومية. تعد بلدية “مولنبيك” التي خرج منها معظم الجهاديين الإسلاميين نموذجا تاريخيا حيا عن الأزمة التي عرفتها بعد الحرب العالمية الثانية، مثلها مثل الأحياء البلجيكية الشمالية التي عاشت فيها أسرتي، وعرفت تداعياتها على الصعيدين الاجتماعي والنفسي. وهذه الأحياء التي مثلت ازدهارا صناعيا في مجال العمل المنجمي، هي اليوم مجرد أطلال، وكل السكان البلجيكيين المنحدرين من أصول عربية وخاصة من المغرب الأقصى، يعرفون الحالة الدرامية التي مازالت تعيشها وخاصة منذ عام 1973، تاريخ الصدمة النفطية الشهيرة. وتتمثل مفارقة السياق التاريخي المذكور في تزايد عدد الأفراد داخل العائلات بالتوازي مع استفحال الأزمة الاقتصادية، وبالتالي البطالة والفقر والأصولية الإسلامية، الأمر الذي لم يكن وقفا على بلجيكا وفرنسا.لماذا تعد “مولنبيك” المنطقة الأكثر شهرة بظاهرة التطرف الإسلامي في بروكسل دون غيرها من المدن والأحياء الأخرى؟يجب القول إن “مولنبيك” تحتضن عدة مساجد تؤمها جالية مسلمة يصل تعدادها إلى حوالي 35 ألف نسمة. وخلافا لما يشاع، فالكثير من الأئمة الذين ينتسبون إليها غير متطرفين، عكس آخرين يفترض أنهم ساهموا في تسميم عقول الشبان الذين كانوا ومازالوا على استعداد لتلقي توجيهات غير صحيحة باسم الإسلام، تحت وطأة هشاشتهم النفسية وفشلهم الدراسي وضياعهم الثقافي والهوياتي تحديدا. وكما قلت سلفا، فإن الانهيار الاقتصادي قد ترك جراحا خطيرة على أبناء الجالية المسلمة على كافة الأصعدة.تعيشين على بعد كيلومترات عن “مولنبيك” وتنشطين ورشات أدبية ومسرحية فيها. كيف يعيش أهلها إثر تحولها إلى معقل إرهاب تتداوله وسائل الإعلام العالمية؟كما هو الحال بصفة عامة، ننسى دائما الجوانب الإيجابية لمكان أضحى مرادفا للموت والعدمية في نظر البعض، لأن الشر مثل البركان الذي يأخذ معه كل المكاسب الجميلة والطيبة التي أنجزت خلال عدة أعوام. أعرف أشخاصا وعائلات في قمة الأهمية الأخلاقية والفكرية والفنية، وعددا من الفنانين والمثقفين الذين لا يهمون الإعلام الغربي. “مولنبيك” آوت في القرن التاسع عشر مهاجرين فرنسيين عرفوا بنشاطهم السياسي.. يا لها من مفارقة؟يربط اليوم بعض السياسيين والمثقفين بين اللاجئين والإرهاب الإسلامي، هل توافقينهم الرأي؟هذا ما يجب تفاديه، وهذا يدخل في سياق الخلط بين الشبان الضالين والمسلمين الذين يعدون الضحية الأولى للإرهاب. اللاجئ اليوم إلى أوروبا هو الذي هرب من البطش السياسي والإرهاب الذي يهدد حياته في كل لحظة، كما يعرف العام والخاص، وهناك اليوم حوالي مليوني رجل وامرأة في تركيا يحاولون الوصول إلى أوروبا، ولا أحد يعرف كيف يتصرف المسؤولون الأوربيون حيال لاجئين يدفعهم البؤس إلى الهجرة أولا وأخيرا، وليس من السهل التفرقة بينهم وبين الذين يفترض أن يكونوا من المخادعين المحسوبين على الإرهاب، كما يشاع هذه الأيام. لنكن عقلاء فنقول إن أنصار “داعش” أو “القاعدة” ليسوا في حاجة إلى اللاجئين لنشر إرهابهم، لأنه أصبح من صنع أبنائنا أمام أعيننا في أوروبا دون وعي منا. في الوقت الذي أحدثكم فيه، كل العالم يتحدث عن إرهاب يرتكب باسم الدين حتى وإن كنا نعرف جميعا أنه أضحى مبررا لأهداف وطموحات وحسابات سياسية عالمية توظفها أطراف مشاركة في المجازر من وراء الستار.يشهد اليمين المتطرف تناميا كبيرا في أوروبا خاصة في فرنسا، فما هو الوضع في بلجيكا وما مدى تأثيره في المجتمع البلجيكي؟ لا يدخل الأمر ضمن المسار التاريخي للتقاليد السياسية البلجيكية، لكن يمكن أن يستوحى منه بطريقة أخرى لكن ليس بأسلوب مستنسخ، والفاجعة التي حدثت لا يجب أن تتحول إلى مبرر يؤدي إلى دكتاتورية معاكسة لقيمنا التاريخية، ونعم لسلطة بوليسية أكبر، ولكن لا لغوانتنامو بلجيكي. يجب وضع الثقة في مسؤولينا الذين لم يدخروا جهدا في البحث عن حلول للمشاكل العويصة التي تواجه المجتمع البلجيكي، وواجبنا كمواطنين إيجاد تصورات مجدية لتجاوز خلافاتنا الإيديولوجية الصحية والطبيعية بعيدا عن كل المزايدات، وجيد إذا استطاع أن يغير وزير الداخلية الأوضاع في “مولنبيك” وفي أماكن أخرى من بلجيكا.كمثقفة ما هو ردّكم على بعض المثقفين الفرنسيين البارزين الذين يربطون بين الهجرة والإسلام وظاهرة الإرهاب؟ لست موافقة على طرحهم كمثقفة مسلمة وابنة مهاجر أعطى حياته لبلجيكا، ولا يمثل الخلفيات التي يتحدث باسمها دائما هذا النوع من المثقفين الذين يكررون الحديث عن الفشل بوجه عام، في إشارة إلى الشبان الذين ضلوا الطريق، ولكن ليس عن أمثالي من أبناء المهاجرين الذين نجحوا في عدة مجالات. كلامي لا يتعارض مع ضرورة الاعتراف بأننا فشلنا في استباق الخطاب الديني السطحي الذي وجد في واقع الشبان أرضية خصبة أنتجت تصورا معيبا للإسلام، واليوم يجب أن نتجند جميعا كصحفيين ومثقفين للتفكير مليا في المصير الذي أصبح يهدد أبناءنا. شخصيا، نشرت مقالا في هذا الصدد طارحة الأسئلة الوجودية التي تكشف عن العجز التاريخي الذي أدى إلى انزلاق أجيال أصبحوا يرتكبون الجرائم باسم الإسلام.. إنها ورشة فكرية كبيرة وصعبة ومتشابكة العوامل.الكاتبة مليكة ماضيفي سطور الروائية الجزائرية مليكة ماضي، ابنة مهاجر كادح قضى حياته في معامل المناجم بضواحي مدينة “لالوفيير” القريبة من “شارل روا”، تعيش على وقع الصدمة بحكم علاقتها التاريخية ببلجيكا التي أصبحت مصدرة للشبان الذين راحوا ضحية تهميش موصوف وبحي “مولنبيك” الذي خرج منه ثلاثة شبان شاركوا في العمليات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية. علاقتها بالجزائر طبيعية بحكم تواجد عدد كبير من أقربائها في نواحي بجاية. تشارك حاليا في تجربة مع الثنائي سيد احمد أڤومي وأحمد بن عيسى، من خلال الفيلم المستوحى من روايتها “صمت مدية “ الذي سيصور في الجزائر.من أعمالها“كسر الصمت”: كتاب جماعي بمشاركة مثقفين مغاربيين 2002، و«ليلة حبر من أجل فرح” عن دار دوزوريزييه 2000، نالت بها جائزة العمل الأول للجالية الفرنسية في بلجيكا، و«بلجيكيون ظاهريا” عن دار ميمور 2003، و«صمت مدية” عن دار لابور بروكسل 2003، و«الحب اكتب اسمك” عن دار كولور ليفر 2006، و«لعبة الريشة والصدفة” عن دار ميمور 2007 و«والعالم ينظر.. لبنان صيف 2007” عن دار دوزوريزييه، و«لست عنصريا ولكن” بمساهمة حسان بوستة عن دار لوك بير 2008 طبعة جديدة عام 2012، و«شمسة ابنة الشمس” عن دار دو سيني باريس 2010، وآخرها مسرحية “رجل حر” 2015.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: