أحدثت مجموعة المداهمات التي فاقت 165 مداهمة شنتها القوات الأمنية على منازل مشتبه فيها عبر مختلف الأحياء السكنية في كل أنحاء فرنسا، ليلة الأحد إلى الاثنين صباحا، حيث يقطن أغلبية أعضاء الجالية المسلمة، نوعا من الحرج الكبير وسط هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم اليوم يتخبطون في جملة من الجوانب التي تعرف خلطا ملحوظا بين البعد الديني والإثني وهجرة اللاجئين والهوية الفرنسية وحتى العقيدة في حد ذاتها. تجولت “الخبر” في المقاطعة 93 بمختلف أحيائها، حيث تم سماع الانفجارين الأولين قبل انتشار الهمجات عبر المواقع الستة الأخرى بباريس وسان سانت دوني، حيث أوضح صاحب مقهى بالحي، عبد المالك، أنه أصبح يشار لمسلمي فرنسا اليوم بالبنان كلما وقعت هجمات إرهابية في فرنسا، الأمر الذي صار يزعجهم ويقلقهم، مواصلا حديثه بأنه أصبح اليوم كل ما يصيب فرنسا على أيادي الهمجيين يتم تلفيقه لمسلمي فرنسا، ولكن هذه التفتيشات والمداهمات التي طالت منازل أحد الجيران في الحي تعسفية وجائرة، على حد قول عبد المالك.وأضاف صاحب المقهى: “كأنما داعش أصبح يقطن اليوم داخل هذه الأحياء، فكفانا من هذه التصرفات والاتهامات، وعلى السلطات ترك أعضاء الجالية المسلمة في حالهم وإيجاد الإمكانات اللازمة لردع أبنائها الفرنسيين من التطرف وليس الاكتفاء بمداهمة منازل العائلات على مستوى كل من مقاطعات 19 وإفري أوبر فيلي ودوميني، وتركهم في حالة فزع ووسط دوامة من الأسئلة لا تجد لها أجوبة ماعدا توخي الحذر وأخذ الحيطة”.وهذا ما يتم لمسه اليوم داخل الأوساط الإسلامية بفرنسا، نوع من القلق والخوف أيضا من تنامي الإسلاموفوبيا واستهدافها من أجل الانتقام، وهو حقا ما تستنتجه العين المجردة عبر وسائل الاتصال، حيث يوجد هناك ذعر وخوف شديدان ظاهران على وجوه مستعملي هذه الوسائل، خاصة المسلمين منهم الذين يحسون بأنهم مجردون من الهوية الفرنسية وملزمون بتبرير تصرفات بربرية من قبل متطرفين لا يمتون للإسلام بصلة.لاجئون سوريون: هربنامن “داعش” في سوريا فلحق بنا إلى باريسغادرت “الخبر” المقاطعة 19 وتوجهت نحو ساحة الجمهورية، حيث تجمع المئات من المتعاطفين مع ضحايا الهجمات الأخيرة باعتبار الساحة رمزا من رموز الجمهورية الفرنسية، تحت حراسة أمنية مشددة، حيث كثرت اللافتات مع تعليق صور الضحايا وأكاليل الزهور وإشعال الشموع، رغم منع السلطات أي تجمع منذ الجمعة الماضي، لكن الشيء الذي ميز الأشخاص المتجمعين هو وجود بعض اللاجئين السوريين بينهم والذين رغبوا في الدفاع عن أنفسهم، بعدما كثر الجدل بعد العثور على جواز سفر سوري بالقرب من أشلاء الانتحاري الذي فجر نفسه بمحاذاة “ستاد دو فرانس”، موضحين أن كل ذلك افتراء وتلفيق من قبل الأيادي الطويلة لبشار الأسد.وفي حديثهم مع “الخبر”، أحسسنا بنبرة الخوف لدى اللاجئين من نظام الأسد حتى من وراء البحار، إذ تحدثت “منى” باسمها المستعار رافضة الكشف عن لقبها من شدة رعبها، قائلة إنها تحت الصدمة وإن جواز السفر المعثور عليه مزوّر وبإمكان أي شخص أن يتحصل عليه مقابل مئات الدولارات فقط، مسترسلة في حديثها بأنها رفقة كل السوريين اللاجئين الآخرين لا يرغبون في البقاء بفرنسا وهم مستعدون للرجوع إلى سوريا التي بنوا فيها كل مستقبلهم كإطارات جامعيين وأساتذة في التعليم العالي، شريطة تنحي الأسد الذي اتهمته بكل ما جرى في فرنسا مؤخرا بإطلاقه السجناء الإرهابيين وتحريضهم على القيام بأعمال إرهابية في دول أوروبا، مشيرة إلى توسيع خلاياه الإرهابية في أوروبا وهذا ما قاله مفتي سوريا أحمد حسون، مصرحة بأن “اللاجيئن السوريين على طول متهمين بأنهم إرهابيون ولكننا نحن أناس سلميون” . من جهته، عبّر اللاجئ السوري زياد لـ”الخبر” عن مواساته وتعاطفه مع كل عائلات الضحايا، موضحا أن السوريين ليسوا إرهابيين ولكنهم هم في الأصل هربوا من ويلات “داعش”، قائلا بنبرة حزينة “ماذا على الشعب السوري أن يفعل اليوم بعدما قطع كل تلك المسافات وعانى الأمرّين في عبور أوروبا من أجل الوصول إلى فرنسا بهدف العيش بأمان والإحساس بالطمأنينة والحرية المطلقة هربا من “داعش” في سوريا، لكنه بمجرد التحاقه بفرنسا لحقه داعش بها.. شو هاد الحظ يا رب”.وبمجرد أن تقوم بجولة حول تمثال ساحة الجمهورية تجد مجموعات من الفرنسيين من مختلف الأصول، لا يخلو حديثهم مما جرى وعن الإسلام وشغفهم الشديد للتعرف على هذه الديانة واكتشافها من أجل التصدي لهؤلاء المتطرفين بما تنص عليه الديانة السمحاء، حيث تجد بعض الفرنسيين من الشباب ينفون التهمة عن الجالية المسلمة ويحاولون إثبات عكس تلك الأفكار التي يتبناها المتطرفون الفرنسيون الذين يسعون إلى الانتقام من أعضاء الجالية المسلمة في فرنسا ظلما.15 إماما يضعون أكاليل من الزهور أمام باتاكلانوفي الدائرة الـ11 بالتحديد أمام مسرح باتاكلان، توجه نهار الاثنين وفد من الأئمة يضم 15 إماما قدموا من مختلف المدن الفرنسية والجمعيات، على رأسها اتحاد الجمعيات المسلمة بسان سانت دوني 93 من أجل وضع أكاليل من الزهور أمام مدخل باتاكلان الذي شهد أثقل حصيلة من الضحايا، توجهوا بالزي الرسمي للأئمة قصدا منهم، يقول إمام بونتين، عبد الحكيم عصر، الذي قاد الوفد لـ«الخبر” بغية لفت انتباه المارة والوافدين إلى باتاكلان من المسلمين وغير المسلمين بهدف تمرير رسالة واضحة تحمل في طياتها المعاني الحقيقية للديانة الإسلامية وما جاءت به الرسالة المحمدية ولتوصيل الفهم لهؤلاء بأن الإرهاب ليس له دين ولا دولة وما جرى في فرنسا من هجمات إرهابية طالت كل الأجناس وقتل من خلالها الأفارقة المسلمون والمغاربة والتونسيون والمصريون والجزائريون وليس غير المسلمين فقط.وقال الشيخ عبد الحكيم عصر إن المبادرة أتت بثمارها ولقد كان النقاش مع المتعاطفين بنسبة 95 في المائة حول الإسلام وإقبال الجميع على التعرف على هذه الديانة، موضحا أن الرسالة التي قد وصلت نتيجة الثمار التي تم جنيها من خلال هذه الجولة، مشيرا إلى أنه حقيقة قد تم توجيه نظرات حاقدة لهم على متن الميترو بمجرد رؤيتهم بذلك الزي الرسمي للأئمة.تجدر الإشارة إلى أن بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة قد وجهت أصابع الاتهام إلى مسلمي فرنسا بصفة مباشرة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات