دولة الصيادلة وسيارات الأجرة وتجارة العملة!

38serv

+ -

يلجأ الجزائريون في حياتهم اليومية إلى أشخاص يضمنون لهم خدمات بطريقة غير قانونية، وهم مجبرون على ذلك غير مخيرين، في غياب البديل “الشرعي” الذي يملك الصفة القانونية، ليؤكدوا حقا أن الاستثناء هو القاعدة في بلادنا.أن تكون جزائريا وعلى موعد مع سفر إلى الخارج، ولا تعرج على “بورصة السكوار” على مستوى ساحة بور سعيد لتشتري “الدوفيز”، فهذا بالتأكيد ضرب من الخيال.. مادام الجزائريون الراغبون في السفر إلى خارج البلاد، على قلتهم، “يشحذون” مرة كل 12 شهرا 130 أورو، بما يعادل 15 ألف دينار تمنح لهم بشق الأنفس.ولأن هذا المبلغ الذي “يتسوله” الجزائريون من البنوك لا يكفي حتى لقضاء ليلة مريحة في أحد فنادق أوروبا، يضطر “الجميع”، وليس الأغلبية، إلى شراء العملة الأجنبية من سوق “السكوار” الذي يعتبره هؤلاء منقذهم وملاذهم الوحيد لتأمين مصاريفهم بالعملة الأجنبية خارج البلاد.ويثق الجزائريون في تعاملات هذه السوق التي أخذت صفة الشرعية منذ عقود، أكثر من البنوك التي لا تخذلهم فقط بـ”منحة العار” التي جعلت الجزائر في ذيل الترتيب بين جيرانها من حيث ضعف قيمة منحة السياحة. بل ما زاد الطينة بلة؛ أنه حتى هذه المنحة يحدث أن لا تحصل عليها إلا بشق الأنفس، إذ كثيرا ما يصطدم المواطنون الراغبون في الاستفادة من منحة السفر بندرة الاستمارات الخاصة بالمعاملة البنكية، وفي أوج فترة العطل.ولم يفقد ملاذ الجزائريين في ساحة بور سعيد زبائنه الأوفياء، حتى في عز فترة تشديد الرقابة عليه في أكبر حملة مداهمة شنتها مصالح الشرطة، شهر أفريل الماضي، وأوقفت مجموعة من الشباب الممارسين لهذا النشاط، وحجزت الأموال التي كانت بحوزتهم، مهددة المصدر الوحيد “للتموين بالعملة” بالنسبة للجزائريين.لكن لم يلبث وأن عاد هؤلاء إلى مواقعهم بعد أن أصبح “المكان آمنا”، وتبيّن أن الحملة لم تكن سوى سحابة صيف، وتنفس الجزائريون الصعداء وطبعا لم يخسر تجار العملة زبائنهم طيلة فترة تشديد الرقابة على ساحة بور سعيد، فقد تأقلموا مع الوضع وغيّروا مواقعهم، وكانت المعاملات تتم عبر الهاتف، فلهؤلاء زبائن دائمون وأوفياء. كما أن ما يجهله الكثيرون، أن للسوق الموازي للعملة موقعا إلكترونيا يطلع الزبائن على الأسعار المتداولة على مستواه.حتى الدواء بـ “الكابة”توفير الأدوية المفقودة بالنسبة لأصحاب الأمراض النادرة، يتم أيضا بطريقة غير شرعية، فلا بديل أمام مريض يتربص به الموت من اللجوء إلى طرق ملتوية للحصول على دوائه، حتى وإن كان بالتعامل مع أصحاب الكابة أو صيادلة يوزعون أدوية “تحت الطاولة”، ما قد يعرّضهم إلى عقوبات تصل إلى تشميع المحل وسحب الرخصة من صاحب الصيدلية.ويعترف بعض الصيادلة الذين تحدثنا إليهم في جولة استطلاعية بالعاصمة، بعدم قانونية هذا السلوك، إلا أنهم يبررونه للصيادلة الذين يتعاملون به “فلا بديل، هناك أدوية تسجل ندرة وأخرى مفقودة تماما من السوق، ونعجز عن تبرير الأمر للمرضى الذين يقصدوننا، خاصة وأن حياة أصحاب الأمراض المزمنة متوقفة على جرعة أو حبة دواء”.وذكر لنا أحد الصيدلة في السياق، أنه اضطر قبل أيام إلى ترك محله مسرعا ودق باب مريض يقيم بجوار الصيدلية ومتعود على اقتناء أدويته من المحل، ليطلب منه حبة دواء لمريض باغتته أزمة صحية في محله، وكان بحاجة إلى دواء مفقود في الصيدليات.ويتعامل المرضى مع صيدليات محددة تضمن لهم توفير الأدوية المفقودة في السوق الوطنية، في ظل إصرار وزارة الصحة على نفي الندرة، متهمة أطرافا بزرع البلبلة، إذ أعلنت النقابة الوطنية للصيادلة الخواص عن اختفاء أزيد من 100 نوع من السوق الوطنية، وهو الوضع الذي ألحق أضرارا بالمرضى، غرار دواء “سانتروم” لمرضى القلب، كون الأدوية مستوردة بكميات قليلة.غير أن هذا الدواء متوفر في السوق الموازية بفضل السماسرة الذين يضمنون إدخاله إلى أرض الوطن بطرق غير شرعية، وبيعه بأثمان مضاعفة، لكن بالنسبة للمرضى لا يعتبر الأمر “بزنسة” أو متاجرة بآلامهم، على اعتبار أن حياتهم أصبحت تحت رحمة أصحاب “الكابة” الذين فرضوا منطقهم عليهم: “فلو اضطرني الأمر لاشتريت الدواء لوالدي بـ10 ملايين”، يقول ابن مريض بالقلب التقينا به في إحدى الصيدليات بميسوني في العاصمة يبحث عن دواء “سانتروم” الخاص بمرضى القلب، ويعد ضروريا لمنع تخثر الدم الذي يؤدي إلى إصابة المريض بالشلل.ناقلون عوض “بريد الجزائر”تجار العملة وبعض الصيادلة ليسوا وحدهم من يقدمون خدمة للمواطن بالخروج على القانون، فأصحاب سيارات الأجرة والحافلات أصبحوا الوجهة الوحيدة للكثير من المواطنين الذين غالبا ما يصطدمون بمشاكل وعراقيل غير منتهية في مراكز البريد التي يقصدونها لإرسال “أماناتهم”.فإن أردت أن ترسل رسالة أو طردا أو حقيبة، مع ضمان وصولها إلى وجهتها قبل مضي ساعات، لست مضطرا إلى التوجه إلى بريد الجزائر أو إحدى المؤسسات الخاصة التي تضمن توصيل الرسائل والطرود، فمحطات نقل المسافرين تقوم بالمهمة على أكمل وجه. فمحطة الخروبة البرية بالعاصمة مثلا، تستقبل يوميا آلاف المسافرين المتجهين إلى 48 ولاية عبر الوطن، لكن ليس كل من يقصد المحطة مسافرا، فهناك زبائن من نوع آخر، يبحثون عن “خدمات جانبية” توفرها لهم المحطة، أو بالأحرى “مكاتب البريد المتنقلة” التي تضمن توصيل “بريدهم” في موعده، مقابل مبالغ تتراوح بين 500 إلى 700 دينار.هذه الخدمات، وإن كانت غير قانونية بالنسبة لمؤسسات البريد ووزارتي النقل والبريد والموصلات، إلا أن سائقي سيارات التاكسي والحافلات لا يجدون حرجا في الجهر بها.وأكد عدد من سائقي سيارات التاكسي ما بين الولايات، الذين تحدثنا إليهم بالمحطة، أنهم يقدمون خدمة للمواطن في غياب البديل، خاصة إذا تعلّق الأمر بالأدوية التي يتم نقلها بالمجان، مؤكدين أن المواطن لو كان يجد ضالته في البريد ومؤسسات نقل البريد السريع الخاصة، ما كان ليلجأ إلى سيارات الأجرة. ويتقاضى السائقون مبالغ متفاوتة مقابل هذه الخدمات، فيما قد يتجاوز هذا المبلغ في حال تجاوز الطرد أو الحقيبة 15 كلغ، مع اشتراط تفقد المحتويات تجنّبا للوقوع في تجاوزات قانونية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات