"اليمين المتطرف اختار المغتربين كذرائع ليحمّلهم كل مشاكل فرنسا"

+ -

قال إدوي بلينيل، الكاتب الصحفي السياسي ومؤسس ”ميديا بارت”، إن إخلال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بوعوده التي انتخب من أجلها منذ 3 سنوات، وابتعاد قبله ساركوزي عن قيم الجمهورية الفرنسية، فتح المجال أمام وحش حرب الهويات. وقدم إدوي في حوار خص به ”الخبر” بباريس، الخطوط العريضة لكيفية تغلغل اليمين المتطرف وفكره في المجتمع الفرنسي، والتهديد الذي ستواجهه فرنسا مستقبلا.ماذا يحدث اليوم في فرنسا، ولماذا كل هذه الكراهية للمسلمين والإسلام؟ هناك أزمة فرنسية، بخصوصية فرنسية محضة، تضاف إليها الأزمة الاقتصادية والإيكولوجية وأزمة الأمن أيضا، هي أزمة ديمقراطية. فرنسا دولة يعاني نظامها السياسي اليوم حالة إرهاق وتعب شديدين، تجعله بالكاد يتنفس، وهذا ما يترجم بروز قوى سياسية رجعية، كارهة للأجانب، عنصرية نابعة من تاريخ اليمين المتطرف الفرنسي. فإذن هي الفاشية الفرنسية منبع تغذية أفكارها، بعد اختيارها للمغتربين والأجانب كذرائع تحمّلهم كل مشاكل فرنسا، من أجل نشر إيديولوجية لا مساواة. بلغ اليوم هذا التيار الفرنسي القمّة، خاصة أمام عجز المناضلين السياسيين، وعدم قدرتهم على وضع جدار حقيقي مقابل هذا التوسع لليمين المتطرف، وما نراه في عمق إيديولوجيته القاتلة، وهذا ما نراه أيضا من خلال أزمة اليمين الفرنسي بعدما ابتعد ساركوزي عن قيم الجمهورية الملخصة (الحرية المساواة والأخوة)، تقابلها أيضا أزمة اليسار الحاكم، وما يجري في الحكومة الحالية، بابتعاد فرانسوا هولاند منذ 3 سنوات عن وفائه بالوعود التي قطعها للفرنسيين، التي تم انتخابه من أجلها، الذين كانوا تتطلع إلى خلق ديناميكية ينتظرها أغلبية الفرنسيين، وهي الديناميكية الديمقراطية والاجتماعية في آن واحد.. والعدول أو التخلي عن هذه الأرضية، فتح المجال أمام وحش حرب الجميع ضد الجميع، وحرب الهويات، وهذا ما يعبّر عنه اليوم في فرنسا. وبالنسبة لي شخصيا، يعتبر اليمين المتطرف تهديدا حقيقيا، ولكنه تهديد سمح بدخوله وتوغله في المشهد السياسي كل من مسؤولي اليمين الفرنسي، الذين أصيبوا بعدوى اليمين المتطرف، ومسؤولي اليسار الحاكم الذين يعانون الضعف .وهل كل ما ذكرت تعكسه تصريحات ”نادين مورانو” حول زحف للمسلمين على فرنسا؟ لقد أجبتها مباشرة عبر أثير ”آر آم سي”، أعتقد أنني كنت من الأوائل ومن النادرين الذين أقدموا على ذلك، فقد شرحت بأن تلك التصريحات قاتلة، وهذه الإيديولوجية تسببت في الكارثة الأوروبية، وما انجر عنها من جرائم بالقوة، وضحايا بالجملة، والإبادة الجماعية. حاولت هذه الأخيرة أن تصبح غير مبالية بجزء من الشعب، لأنها ولدت يهودية، تتحدث اليوم عن عرق أبيض، هذه اللاعقلانية في استعمال عقيدة ما أو التحدث عن الهوية الدينية، لا تعد حماقة ليس لها أي أساس، وإنما هي بناء إيديولوجية تنتج من خلالها المصطلحات، وتؤكد فيها الأكاذيب، التي بإمكانها في الغد أو بعد غد، خلق جو من اللامبالاة العامة. كما أقول دوما ”أسوأ من ضجة الحذاء، هناك صمت النعل (البونتوفل)”، وهذا بالضبط ما هو وراء أي تصريحات مماثلة لتصريحات السيدة مورانو اليمينية في الفضاء العمومي، وعبر أكبر وسائل الإعلام، وهي تصريحات توحي بالفاشية الفرنسية، والسيدة مورانو كان الأجدر بها أن لا تبقى منتمية إلى العائلة السياسية اليمينية التي تدعي بأنها تحمل الفكر الديغولي. أنتهز هنا الفرصة لكي أذكر بأن فرنسا الحرة التابعة للجنرال ديغول، كانت تتألف بصفة خاصة من نسبة جد معتبرة من الأجانب، يوجد من بينهم أكبر عدد من المسلمين. وفي سنة 1943 عندما كانت القوات الفرنسية الديغولية في الخارج، كانت تضم نسبة 66 في المائة من المجموعات المستعمرة، أغلبيتهم من المغاربة والإفريقيين والصحراويين، والأقلية فقط من الفرنسيين ذوي الأصل الفرنسي، في حين لم تتجاوز نسبة الأجانب الآخرين نسبة 18 في المائة. إذن، فالأغلبية الأخرى كانت من المغاربة والأفارقة الذين جاءوا لتقديم الدعم إلينا وإنقاذنا.. إنهم هؤلاء الأشخاص الذين ترغب اليوم السيدة مورانو في طردهم من الساحة الفرنسية، ومن حياتنا الجماعية المشتركة، وهذا لا يعد بفكرة فاضحة فحسب، وإنما هي إيديولوجية قاتلة مشابهة تماما لتلك التي صاحبت وساهمت وسهلت في ارتكاب الجرائم النازية.وأين نصنف تصريحات مارين لوبان التي اتهمت بالتحريض على الكراهية العرقية على خلفية مقارنتها ”أداء المسلمين الصلاة على الطريق مثل الاحتلال النازي”؟ إنه حقا كلام فاضح يخالف تماما ما جاء به قانون 1905، الذي أذكر بأن بنوده تنصص على ضرورة فصل الكنائس عن الدولة، ويتنافى تماما مع المعاني التي يتزعمها بعض اللائكيين المتعصبين اليوم بفرنسا، فهو قانون حرية الديانات وتنوعها، ويقدم الأجوبة المشتركة، منها الديمقراطية والاجتماعية، يسمح بالممارسات الدينية في الخارج ولا يمنع أي شخص من التعبير عن ديانته أو ممارستها في الأماكن العمومية. وتصريحات السيدة مارين لوبان بطبيعة الحال، لا تقتصر على كره الأجانب فحسب، ويجب قول ذلك بكل صراحة، لأنها تمثل جزءا من شعبنا، بل تتعداها إلى تصريحات إسلاموفوبيا. وفي المقابل، هي تصريحات مناهضة لللائكية، وهناك في بعض الأحيان في فرنسا بعض الكنائس الكاثوليكية التي لا تتوانى في التظاهر للإدلاء بآرائها الدينيةكتابكم الأخير ”من أجل المسلمين”، لم يجد الصدى في وسائل الإعلام الفرنسية، هل لأنكم تطرقتم إلى موضوع حساس في فرنسا؟ لا.. لقد لقي أصداء لا بأس بها، وحقق نسبة جيدة من المبيعات، وسوف تتم ترجمته أيضا إلى اللغة الإنجليزية، كما سيتم طبع نسخ منه قريبا من الحجم الصغير المخصص لكتاب الجيب. أعتقد أنه لا يجب محاكمة فرنسا على أساس الفقاعات السياسية والإعلامية، وإنما من العمق، ولقد نظمت مجموعة من اللقاءات في مختلف المناطق الجهوية والأحياء السكنية، حيث يعد فيها مبدأ ”العيش معا في فرنسا” ليس مجرد فكرة، بل واقعا حقيقيا، وأعتقد أن ما يحمله هذا الكتاب يشهد على ذلك.. لقد عرف إقبالا كبيرا ويشهد عكس ما يجري في فرنسا، من هذه الشريحة المنتشرة عبر هذه المناطق، التي لا يوجد لها ناطق واحد باسمها، وفعلا ليس لها تعبير سياسي مشترك واحد، ولا كلمة موحدة، لكن كل هذا زاد من قوة المشهد الحقيقي الحي .بالمناسبة، هناك منعطف في الكتاب تقولون فيه ”مررنا من عنصرية بشكلها البيولوجي، إلى عنصرية في شكل ثقافي”، فما خطورة هذا المنعطف والرسالة المراد إيصالها؟ لا.. إنه محضر إثبات لتطور أشكال العنصرية مهما كان الميكانيزم المتكونة منه، وكيفما كانت العنصرية في أي بلد يرفض أقلية من المواطنين ويرفض التعددية، وأتمنى أن يكون لكتابي ”من أجل المسلمين” صدى لمختلف الأقليات، مسيحيين كانوا أو يهودا، وجد سعيد لترجمته إلى اللغة العربية ووجوده داخل العديد من البلدان ذات الثقافة الإسلامية التي يعيش فيها الأغلبية من المسلمين. وأكرر مرة أخرى، كتبت للأقلية، كتبت لكي نكون واعين بأن العيش معا ليس قانون الأغلبية، وإنما هو مشكل تنوع وتعددية الأقلية، في أي دولة تضم مختلف الأشكال من الأقليات السياسية والثقافية. وإذا أخذت كمثال المغرب العربي، حيث توجد بطبيعة الحال الأغلبية من المسلمين في هذه البلدان، لكن ليست الديانة الوحيدة الموجودة. وأما عن الرسالة الموجودة في كتابي؛ هي رسالة مقاومة هنا بطبيعة الحال بفرنسا، وكذلك رسالة موجهة إلى كل المقاومات الشعبية، خاصة إلى تلك التي تقف أمام شمولية تنظيم الدولة الإسلامية الذي يرفض التنوع ويرفض هذه التعددية، مرتكزا على إيديولوجية وضع سلم تدريجي بين البشر مفرقا بين الجميع، الرجال أعلى من النساء والسنيين أعلى من الشيعيين والمسلمين أعلى من الديانات الأخرى.فإذن من أجل محاربة هذه الإيديولوجية، يجب أن نكون واضحين حول النظام السياسي المختلف الذي نتقاسمه، وليست رؤية مجردة للديمقراطية، وإنما لتعددية مجتمعنا مع احترام حقوق الأقليات.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات