هل يكشف "الإمبراطور" خبايا "الوعد الصادق"؟

38serv

+ -

بإلقاء القبض عليه مساء أول أمس في الجزائر العاصمة، تكون مصالح الأمن وضعت يدها على صاحب إمبراطورية “الوعد الصادق” المدعو مولاي صالح، الرجل الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام حول شخصيته ونشاطه الذي اكتنفه الكثير من الغموض. وكانت “الخبر” قد أنجزت موضوعا أعادت خلاله تسطير ورصد بعض المحطات في حياة “الإمبراطور”. أثار ظهور شركة الوعد الصادق بسور الغزلان في ولاية البويرة الكثير من الجدل بين صفوف عموم الناس وحتى خبراء الاقتصاد والتجارة، لاسيما حول المصدر الذي استمد منه صاحب شركة “الوعد الصادق” طريقته في التعامل التي أسالت الكثير من الحبر واللعاب. غير أنه تبين خلال التحقيق الذي أجريناه حول سر ظهور إمبراطورية “الوعد الصادق”، أن الفكرة ليست بجديدة، بل مستمدة من طريقة أسواق “الترميش” المنتشرة أساسا في شمال المملكة العربية السعودية.صاحب ظهورَ شركة “الوعد الصادق” التي أصبحت حديث العام والخاص في الجزائر، وحتى خارج الوطن، رواجُ العديد من الإشاعات والروايات الخرافية حول مصدر أموال صاحب الشركة وشركائه، والطريقة التي اعتمدها، حيث راح البعض يصفها “عملية تبييض أموال” يقف وراءها أشخاص نافذون في السلطة. وتحدث البعض الآخر، بمن فيهم بعض الإعلاميين، عن عملية توظيف أموال لعائلة العقيد معمر القذافي تكون قد هربتها من ليبيا، فيما راحت العامة من الناس تحيك الكثير من الأساطير حول شخصية صاحب إمبراطورية “الوعد الصادق” المدعو مولاي صالح، في وقت وصفه البعض بـ “العبقري” مستندا على تكوينه الدراسي في مجال الرياضيات، كما راح آخرون يتحدثون عن علاقاته بالجن، وتحدث هؤلاء عن التزام المعني بوضع الحناء في يده، حتى أن بعض المقربين منه أشاعوا خرافة زواجه من جنية.وفي تلك الأثناء، باشرنا البحث في محيط هذا الشخص اللغز لعلنا نقترب من حقيقة المصدر الذي استمد منه مولاي صالح وشركاؤه هذه الطريقة في معاملاته التجارية التي جعلت الزبائن يقصدونه من كل جهات الوطن، إلى درجة أنه أطاح بأسعار السيارات في الأسواق، وكان من بين أسباب انخفاض واردات السيارات في الجزائر.وتعمدنا في هذا الصدد التأني في تمحيص المعلومات وعدم الاستناد على تلك التي لا تعتمد على أدلة دامغة، أو القصص الخرافية التي لا يتقبلها العقل، وعدم التسرع في نشر المعلومات، كما كنا متأكدين بأن صاحب الشركة لن يكشف لنا عن تفاصيل طريقته التي حامت حولها الكثير من التساؤلات والشكوك، حتى لا يكشف عمن يقف وراءه، إن كان يوجد من يقف وراءه، أو يبقيها سريّة كي لا يظهر منافسون له في السوق.وبالفعل فقد أكدت لنا مصادر مقربة من عائلة مولاي صالح أن أمره أذهل حتى أقرب الناس إليه، فلم يفهموا كيف اهتدى إلى هذا الأسلوب الذي در عليه عشرات الملايير، خاصة أنه كان إلى وقت قريب، أي قبل الشروع في تجسيد مشروعه “الوعد الصادق”، يزاول نشاطا تجاريا بسيطا.وبعد شهور من البحث والتقصي، التقينا بأحد سكان المنطقة التي ينحدر منها مولاي صالح الذي مدّنا بـ “رأس الخيط” حين قال لنا “إذا أردتم معرفة سر مؤسسة الوعد الصادق، فابحثوا في ظاهرة الترميش المنتشرة في المملكة العربية السعودية”، وهو ما مكننا من الكشف عن سر الفكرة التي استمد منها صاحب شركة “الوعد الصادق” طريقته، والتي من الأرجح أنه اطّلع عليها هو، أو من أوحى له بها، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. “الوعد الصادق” و“الترميش”أطلقت تسمية “الترميش” نسبة لـ “أبو رمش” وهو أول شخص بدأ هذه العملية في محافظة علا بالمملكة العربية السعودية، وذلك منذ أكثر من 3 سنوات، وهي عملية تتمثل في بيع سلعة بآجال لعدة شهور بثمن يتعدى ضعفها في الغالب، حيث يقوم بعض التجار (المرمشين) بشراء سيارات من عامة الناس إلى أجل لا يتعدى 4 أشهر، يتم سداد ثمنها بالكامل عند حلول الأجل، وقد يصل إلى ضعف السعر الحقيقي للسيارة، بضمان “كمبيالة” موقعة من المشتري. وفي المقابل يكون هناك تجار يطلق عليهم اسم “الشريطية” يقتنون السيارة بمبلغ يقل عن قيمتها، ثم امتد هذا النوع من التجارة إلى العقارات والمواشي والخيول والإبل، وهي تهدف إلى صرف أموال المتعاملين في صناديق استثمارية.ويبدو أن شركة “الوعد الصادق” طبقت هذه الطريقة بحذافيرها، حيث بدأ صاحبها بشراء وبيع السيارات، ثم وسّع ذلك إلى العقار وكل ما يمكن أن يتاجر فيه المرء.وقد أثارت أسواق “الترميش” ضجة كبيرة في المملكة السعودية، وحذر الاقتصاديون من التعامل بهذه الطريقة ووصفوها بمعاملات الديون التراكمية التي تنتهي بفقدان العديد من المتعاملين لأموالهم عقب انفجار البالون، وهو ما حدث مع شركة مولاي صالح، فبعد أن انفجر البالون وجد نفسه عاجزا عن تسديد أموال مئات الضحايا، ووصلت ديون بعضهم إلى عشرات الملايير.علماء دين أجازوا عملية “الترميش” لكن بشروطأما الحكم الشرعي لهذه الطريقة التي اعتمدها مولاي صالح في الجزائر، فقد اختلف علماء المملكة العربية السعودية حول مشروعيتها، غير أن أغلبهم على إجازتها إذا توفرت فيها الشروط الشرعية، من باب جواز البيع بأجل معلوم إذا اشتمل على الشروط المعتبرة، وكذلك جواز البيع بالتقسيط في الثمن إذا كانت الأقساط معروفة والآجال محددة، لقوله سبحانه وتعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ” (البقرة: 282). ونقلت تقارير إعلامية أن الدكتور علي الشبيلي أجاز العملية إذا احترم “المرمش” موعد الدّفع، لكنه نصح بتجنبها حتى لا تصبح وسيلة لغسل وتبييض الأموال، أو توظيف عائداتها توظيفا محرّما. وهناك من العلماء من كره هذا النوع من المعاملات لما فيه من شبهة الرّبا، وهناك من ربط جواز التعامل بـ “الترميش” بوضع هيئة رقابية تشرف وتنظم المعاملات التجارية وتضمن حقوق المتعاقدين.من هنا يتبين أن صاحب شركة “الوعد الصادق” لم يكن شخصا غير عادي، وإنما استمد طريقته التجارية من أسواق “الترميش” دون أن يكترث بنصائح الخبراء الذين قالوا إنها تعتمد على تراكم ديون صاحبها، وتنتهي بانفجار البالون، وقد انفجر البالون وانصهرت “إمبراطورية الوعد الصادق” مخلفة مئات الضحايا الذين فقدوا أموالهم، ومنهم من خسر مبالغ خيالية في رمشة عين، وآخرون وجدوا أنفسهم عاجزين عن كراء شقة بسيطة بعدما رهنوا فيلاتهم طمعا في الكسب السريع، أما صاحب الشركة فقد أصدرت النيابة في حقه 3 أوامر بالقبض.أخيرا نشير إلى أن “أبو رمش” مؤسس هذا النوع من الأسواق في السعودية لم يكن عبقريا أو خارقا للعادة كما قد يعتقد البعض، وإنما استمد الفكرة من تجارب مماثلة في بلدان أخرى لا يتسع المجال لذكرها.                    مولاي صالح أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة سور الغزلان مثل  صاحب شركة “الوعد الصادق” مولاي صالح أمس أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة سور الغزلان الذي أمر بإيداعه الحبس ريثما يستكمل معه التحقيق في عدّة قضايا، تتعلق كلها بإنشاء إمبراطورية الوعد الصادق التي احتالت على أكثر من 4 آلاف شخص من مختلف مناطق البلاد. وحسب مصدر أمني، فقد تم نقل مولاي صالح صباح أمس إلى محكمة سور الغزلان حيث تم تقديمه أمام وكيل الجمهورية، وهي المحكمة التي سبق لها أن أصدرت ضده خلال شهر جويلية حكما غيابيا يدينه بـ10 سنوات سجنا نافذة، فضلا عن صدور 19 أمرا بالقبض عليه على خلفية متابعته في عدة قضايا، أهمها تكوين جمعية أشرار للنصب والاحتيال والتهرب الضريبي. وجاءت هذه التهم بعدما أسس خلال سنة 2003 شركة بسور الغزلان كانت تتاجر في السيارات بطريقة يشوبها الكثير من الغموض، ثم توسع نشاطها إلى شراء وبيع العقارات والذهب والمواشي، فاحتال بذلك على أكثر من 4 آلاف شخص من مختلف أرجاء الوطن، من بينهم من أفلس تماما بعدما سلبه كل ممتلكاته، ثم اختفى عن الأنظار حتى ألقي عليه القبض مساء يوم الاثنين من طرف مصالح أمن ولاية العاصمة في تامنفوست ببلدية برج البحري شرقي العاصمة، وقد حوّل صباح أمس إلى ولاية البويرة ومنها إلى سور الغزلان.مولاي الصالح.. من بائع الدقيقإلى صاحب إمبراطورية “الوعد الصادق” يبلغ مولاي الصالح من العمر 47 سنة، من حي شعبي بمدينة سور الغزلان، كان صاحب مستودع لبيع الدقيق والعجائن ومخبزة. تعامله في التجارة يجعله متواضعا ومحبوبا وسهل المعاملة. يقول عنه أهل بلدته إنه يمتاز بأخلاق حميدة، من ذلك أنه “إذا وعد وفى وإذا تكلم صدق”.  وينقل أبناء مدينة سور الغزلان أن الصالح لا يفوت الفرصة لتقديم مساعداته للمحتجين والفقراء والأيتام والأرامل، سواء في المناسبات الدينية كرمضان وعيدي الفطر والأضحى وعاشوراء ومحرم، أو في سائر أيام السنة، وعادة ما يكون من الأوائل في حفلات الزواج والختان لتقديم واجب التهنئة والإكراميات، كما يكون في العادة من الأوائل المعزين في حالات الوفاة، حيث يقدّم واجب العزاء والتكفل بعائلة الفقيد. ممنوع من السفر ولا يحوز جواز سفر أدرج اسم صاحب إمبراطورية الوعد الصادق، مولاي الصالح، ضمن قائمة الممنوعين من السفر، حيث تم تعميم اسمه على مستوى شرطة الحدود، سواء بالمطارات أو الموانئ والحدود البرية، وذلك في أعقاب متابعته بتهم الاحتيال والنصب من قبل عشرات المواطنين الذين رفعوا ضده شكاوى تتعلق بالديون التي عليه، لاسيما أن مصادر متابعة للملف قالت إن المعني مطالب بدفع ما لا يقل عن 3 آلاف مليار سنتيم. وإذا كان هذا الإجراء اعتياديا يُلجَأ إليه في حال إعلان الإفلاس والاتهام بالنصب والاحتيال، إلا أن مولاي الصالح لا يحوز جواز سفر.سأدفع قبل ليلة الـسابع والعشرين من رمضان! كان صاحب شركة الوعد الصادق نشر إعلانا على أبواب شركته في سور الغزلان، التزم فيه بتسديد كل مستحقات الدائنين التي عليه قبل ليلة الـسابع والعشرين من شهر رمضان 2014. وقد فاق عدد الدائنين الذين يطلبون رأس مولاي الصالح 280 شخص. محكمة سور الغزلان تدين مولاي صالح غيابيا بـ10 سنوات سجنا نافذة أصدرت محكمة الجنح بسور الغزلان في جويلية الماضي حكما غيابيا، أدانت من خلاله مولاي صالح صاحب شركة الوعد الصادق بـ10 سنوات سجنا نافذة، وأدانت حضوريا 7 من شركائه بأحكام ابتدائية تراوحت بين سنة و3 سنوات سجنا نافذة، وذلك على خلفية القضية التي حركها ضدهم أكثر من 400 زبون من ضحايا هذه الشركة التي احتالت على أكثر من 4 آلاف ضحية يقطنون في مختلف جهات الوطن.وكانت النيابة قد أحالت هذه القضية التي لا تزال تشغل الرأي العام محليا ووطنيا على محكمة الجنح بسور الغزلان، بعدما وجهت للمتهم الرئيسي وشركائه تهمة تشكيل جمعية أشرار للنصب والاحتيال، وهي القضية التي تأسس فيها 340 ضحية كأطراف مدنيين، وأثناء جلسة المرافعات التي انعقدت يوم 17 جويلية الجاري ارتفع هذا العدد إلى حوالي 400 ضحية، بعدما سمح رئيس الجلسة لكل الضحايا أن يتأسسوا كأطراف مدنيين. وعقب صدور الأحكام المذكورة، أكد لنا الأستاذ علي براهيمي الذي تأسس في حق أحد المتهمين أن موكله المدان في القضية سيستأنف الحكم لدى مجلس القضاء. وكانت محكمة الاستئناف لدى مجلس قضاء البويرة قد أجلت البت في قضية صاحب إمبراطورية “الوعد الصادق” إلى نهاية الشهر الجاري.                  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات