التربة المشبعة بالمياه تنهارتحت أقدام الفلسطينيين وفوق رؤوسهم

+ -

مع إشراقة الشمس وتلاشي ظلام الليل، بدأت تتكشف بعض المشاهد بالقرب من شريط الأنفاق الحدودي بين قطاع غزة ومصر، إذ يعيش الحاج أبو عماد قشطة في قلق خوفا من الأضرار التي من المتوقع أن تلحق بمنزله؛ بسبب استمرار ضخ الجيش المصري للمياه في القناة المائية التي أنشأها مؤخرا على بعد 200 متر من منازل المواطنين.في مكان آخر على مقربة من الحدود، كانت مجموعة من العمال تحاول بحركة سريعة وجهد متزايد نقل أكياس الرمل ليغطوا منافذ أنفاقهم لحمايتها من تسرب مياه البحر التي صدعت جدرانها الطينية وتعرضها للانهيار.وما أن نصل نحن الصحافيين برفقة المصورين إلى المناطق التي وصلتها المياه، حتى يندفع الناس نحونا، ويتوسلون إلينا نقل صوتهم للعالم، وما قد يحدث بهم وبمساكنهم، في حال تواصلت عمليات الضخ على هذا النحو الخطير. ”الخبر” زارت المنطقة الحدودية برفح ووقفت على الخطر الداهم.وتسبب ضخ الجيش المصري لمياه البحر عبر أنابيب عملاقة إلى باطن الأرض على الحدود المصرية الفلسطينية، في شرخ كبير في القشرة الخارجية للأرض، أشبه بزلزال يهدد سكان منطقة حدود غزة مع مصر، وانهيارات كبيرة في تربة رفح جنوبي قطاع غزة، ما استدعى تدخل قوات الدفاع المدني والأمن الوطني للمكان لحماية السكان مساء أول أمس.الأنفاق المهجورة أصبحت نفورات تخرج منها مياه البحروبحسب المتابعين، فإن عملية ضخ المياه التي توقفت نحو أسبوع، تجددت خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية على نحو أكبر، فيبدو أن المرحلة التجريبية للضخ انتهت، وبدأت السلطات المصرية بالتطبيق الفعلي لخطة إغراق الحدود.فوجود مئات الأنفاق المتوقفة والمهجورة، يسرع ويسهل عملية وصول المياه للجانب الفلسطيني من الحدود، فكل نفق يكون بمثابة نبع مياه، فالمواطنون باتوا يفاجأون بما يشبه نفورات المياه تخرج من باطن الأرض، والأخيرة سرعان ما تبحث عن المناطق الأكثر انخفاضا وتتجه إليها، والكارثة إذا ما كانت المناطق المنخفضة قريبة من منازل المواطنين. “حي السلام ليس له من اسمه نصيب، لأنه طوال العقدين الأخيرين لم يذق طعم السلام، الاحتلال رحل عنا بآلته العسكرية التي دمرت منازلنا وأفقدتنا الأمن والسلام، ثم جاءنا الجيش المصري بمشاريعه المشبوهة يهدد حياتنا وأمننا”، هكذا صرخ رئيس لجنة حي السلام في وجه كل ضمير حي، الذي أكد أن الأوضاع سيئة بسبب مواصلة الجيش المصري ضخ المياه بمحاذاة منازل السكان على الحدود. ولفت رئيس لجنة حي السلام إلى أن التحركات الشعبية والاحتجاجات والوقفات، التي ناشد فيها السكان مصر وقف مشروع الخندق المائي، وبيّنوا خلالها مخاطره على حياتهم ومنازلهم؛ لم تلق استجابة من مصر، مشيرا إلى أن السكان مستاءون وغاضبون من عدم مبالاة مصر بحياتهم.فلسطينيون يستعدّون للهجرة بعيدا عن الحدودوطالب رئيس لجنة حي السلام الجهات الرسمية بالتحرك الجاد والضغط لإلزام مصر بوقف مشروعها الخطير على حياة الناس، قائلا: ”يجب على المسؤولين التحرك على أعلى المستويات، وأن يتواصلوا مع الجهات المصرية المسؤولة لوقف معاناة سكان رفح على الحدود”.بدوره، بيّن صبحي حسان الذي يسكن حي السلام بمحاذاة الحدود، أن المياه التي ضخها الجيش المصري على مدار اليومين الماضيين بصورة مستمرة، زحفت نحو منزله والمنازل المحيطة به، ما جعله يسارع إلى صناعة حواجز رملية تحول دون وصول المياه إلى منزله.وأشار إلى أنه يعيش حالة ترقب وانتظار لما سيؤول إليه الوضع بالمنطقة، خاصة أن الأرض أصبحت شبه مشبعة بالمياه وستدخل المياه عليهم في أي عملية ضخ جديدة، معربا عن تخوّفه من إصابة منزله بأضرار، وعبّر عن استيائه وغضبه من عدم التفات مصر إلى المخاطر المحدقة بهم جراء الخندق المائي.من ناحيته، أفاد منسق لجنة الطوارئ برفح، المهندس أسامة أبو نقيرة، بأن الجيش المصري استمر في ضخ المياه على الشريط الحدودي، وتحديدا المنطقة المحاذية لحي السلام وحي آل قشطة، حتى مناطق شرق رفح، يومي الخميس والجمعة الماضيين. ووصلت مخاوف الفلسطينيين، خاصة القاطنين قرب الشريط الحدودي، إلى درجة الرعب الحقيقي ولم يستعبد بعضهم أن يضطروا وعائلاتهم إلى حزم أمتعتهم ومغادرة منازلهم مجبرين، في حال تواصلت وتيرة ضخ المياه المالحة.سكان رفح تعبوا من التهجير مرة أخرىوتقول الطالبة الجامعية، آلاء ناصر، من سكان حي السلام: ”إن الفلسطينيين من سكان رفح عامة، وجنوبها على وجه التحديد، باتوا يعيشون حالة قلق كبيرة، ومعظمهم افتقدوا الاستقرار والطمأنينة في منازلهم، جراء التهديد الأكبر الذي يواجهونه بسبب القناة المائية”.وأضافت ”المشكلة الأكبر تكمن في ضعف قدرات المواطنين، وحتى الجهات الحكومية في قطاع غزة في مواجهة الأمر، فالمشروع الذي بدأت مصر بإقامته على حدودها مع قطاع غزة، يبدو أنه كبير، ومواجهته أو حتى التقليل من آثاره أمر غاية في الصعوبة”.وأعربت آلاء عن خشيتها من أن تصحو في يوم وتجد المنطقة الحدودية تحوّلت إلى بحيرة من المياه المالحة، تجبر نصف سكان مدينة رفح، البالغ عددهم الإجمالي نحو ربع مليون شخص، على الرحيل عن منازلهم.وناشدت السلطات المصرية بالنظر لسكان رفح بعين الرحمة، ولم يعد باستطاعتهم تحمّل المزيد والتهجير مرة أخرى، خاصة وأن جميعهم لا يمتلكون بدائل.. وفي حال اضطروا للرحيل عن منازلهم، فهذا سيكون بمثابة كارثة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات