ربّما بَدَا لبعض الباحثين، ولاسيما المستشرقين، أنّ الإسلام انتشر أوسع ما انتشر بفضل العوامل الاقتصادية، إذ وقع على الطّبقات العامة الفقيرة قبل هذا الدّين ظلم كثير وعسف مبين. ألا يدرك هؤلاء أنّ اضطهاد الطّبقات الغنية للفقيرة كان سائدا في العالم كلّه قبيل عصر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وليس في بلاد العرب وحدها. والفقراء الّذين اعتنقوا الإسلام في مطلع فجره لم يجدوا الظّروف المواتية للعمل على نشر الإسلام لأنّ معظمهم كانوا من الأرقاء المستضعفين، وإنّما انتشر هذا الدّين القيم على أيدي جماعة من أغنياء قريش في مكّة وعلى أيدي نفر من أغنياء الأنصار في المدينة المنورة، لأنّ هؤلاء وأولئك كانوا بيسارهم وأموالهم وجاههم أقدر على حماية الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من أذى الأعداء.ولئن أتى الإسلام بتشريعات اقتصادية خطيرة غيّرت فلسفة الإنسان الاقتصادية، فما خضع في ذلك لمؤثّرات اجتماعية أو سياسية، وما أحلَّ في سبيل ذلك الحِقد الطبقي محل الاستغلال الطبقي، وإنّما كانت تعاليمه في كلّ ذلك وحيا مبيّنا يشرع لبني الإنسان ما فيه مصلحتهم، ضامنا لهم نفقات التّكافل الاجتماعي، مُصلحا ما أفسده الإنسان لأخيه الإنسان.وبهذه الآثار الحميدة في الدّين والسياسة والاجتماع والاقتصاد كوّن الإسلام خير أمّة أخرجت للنّاس، وزيّنها كما قال الدكتور صبحي الصّالح في كتابه ”النُّظم الإسلامية” بنظم وتعاليم بوّأتها من حضارة الإنسان أعلى ما كان لأن تلك النّظم امتازت بالشّمول، فلم يعد جانب منها على جانب، ولم تضخم ناحية على حساب النّواحي الأخرى، بل كانت جميعا متناسقة فيما بينها تناسق الكون والحياة والإنسان.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات