+ -

أثارت كثير من جرائم اختطاف واختفاء الأطفال في الجزائر ضجة وسط الرأي العام وشغلته، فقد تفاعل مع مستجداتها وتابع كل تفاصيلها، غير أن بعضها لا يزال لغزا محيرا، لم يتوصّل المحققون بعد لفك شفرته، على غرار قضايا الأطفال رمزي، وأنيس وشهيناز.تحوم تساؤلات عدة حول حيثيات قضية مقتل الطفل رمزي مصطفاوي، صاحب 11 سنة، قبل 6 أشهر من الآن. ورغم أن القضية أثارت ضجة كبيرة فاقت حدود مسقط رأس الضحية بحي الأبيار بأعالي العاصمة، إلا أن جهاز القضاء لا يزال طيلة هذه المدة غير قادر على تفكيك القضية، بسبب غياب الشهود لإثبات التهمة المنسوبة للمتهم بالاعتداء بالضرب المبرح الذي تعرّض له الطفل ساعات قبل وفاته.وحتى وإن دعمت نتائج الطبيب الشرعي فرضية تعرّض الطفل لاعتداء جسدي عنيف ساعات قبل وفاته، إلا أن سير التحقيق عرقل بسبب الشكوى التي تقدمت بها عائلة الضحية ضد شخص مجهول.تحوّلت حادثة مقتل رمزي إلى قضية رأي عام، ثارت حولها ضجة واسعة، سواء في الحي أو خارجه، وباتت صورته تصنع الحدث في مواقع التواصل الاجتماعي. لكن بالمقابل صاحب تلك الضجة كثرة التأويلات حول الأسباب التي أدت إلى موته، إذ تعددت الروايات، ووجهت أصابع الاتهام، وقتها، لأحد أبناء الحي المجاور البالغ 55 سنة، وهو ولي تلميذ كان يدرس بمدرسة رمزي نفسها، والسبب يكمن في نشوب خلاف بين الطفلين.والد رمزي: “نريد الحقيقة”عادت “الخبر” بعد أكثر من 6 أشهر من الحادث المأساوي، إلى الحي الذي تقطن فيه عائلة المرحوم رمزي، وبالضبط بمحاذاة ساحة كينيدي بالأبيار في العاصمة، وهناك عاد بنا والد المرحوم إلى الساعات الأخيرة قبل فياض روح ابنه.بدا السيد مصطفاوي متعب الوجه، محمر العينين ولا تزال آثار الصدمة بادية عليه، وبصوت أجش وبنبرات حزينة استرسل وهو يهز رأسه متذكرا ذلك اليوم المشئوم قائلا “كان يوما أسود عندما عاد رمزي من المدرسة متثاقلا ومنهكا، وما إن دخل المنزل أخبر والدته بتعرّضه لاعتداء من طرف رجل كبير في السن..”، وهنا لمعت عينا محدثنا وتابع بحزن عميق “لم يكن رمزي يشكو من أي ألم، لكنه بالمقابل كان شبه مشلول لا يقوى على الحركة وقواه كانت متراخية، ولم يستطع حتى تحديد هوية الشخص الذي اعتدى عليه”، يواصل محدثنا بصوت أجش “رمزي ووري الثرى ولن يعود.. لكننا نريد معرفة الأسباب الحقيقية في وفاته”.وكشف الوالد في السياق، أن تقرير التشريح الذي قام به الطاقم الطبي أوضح “تعرّض رمزي للضرب على مستوى المخيخ، كما ظهرت آثار على مستوى كبده”، أرجعها والده للنزيف الدموي الداخلي الذي كان نتيجة الاعتداء الجسدي العنيف. كما فند الرواية التي مفادها أن رمزي كان يعاني مرضا مزمنا قائلا “لم يكن يعاني أي مرض، وتقرير الطبيب الشرعي أثبت ذلك”. غياب الشهود يعيق سير التحقيقورغم أن السلطات اعتقلت المشتبه فيه الرئيسي في القضية، لمدة 15 يوما، إلا أن وكيل الجمهورية أمر بإطلاق سراحه لعدم ثبوت التهم المنسوبة إليه، بحكم غياب الشهود، بينما صرح والد رمزي أن “العائلة تقدمت بشكوى ضد مجهول قام بالاعتداء على الطفل”.وقد اصطدمت قضية الضحية بحاجز غياب الشهود عن حادثة الاعتداء، بغض النظر عن توفر بعض زملاء رمزي بالابتدائية ممن كانوا شاهدين على الحادثة، إلا أن القانون رفض الأخذ بشهاداتهم، واشترط توفر شهود يفوق سنهم 15 سنة على الأقل، وهو الشرط الذي يصعب تحقيقه في ظروف مماثلة، خاصة وأن طرفي النزاع ينتميان إلى الحي نفسه.المشتبه فيه يرفض أي تصريحبالمقابل، اقتربت “الخبر” من عائلة المشتبه فيه الرئيسي في القضية، وهو شخص يبلغ من العمر 55 سنة، في محاولة لجس نبضه، إلا أنه لم ينبس ببنت شفة، واكتفى بالرد بأن التحقيق متواصل وسيتم الكشف عن الحقيقة خلال الأيام القليلة القادمة. من جهتها، أكدت شقيقة المشتبه فيه بأن التحقيق لا يزال متواصلا وأي تصريح من شأنه أن يعرقل مجرى سير القضية.رمزي... القضية المحيرةقضية وفاة الطفل البريء رمزي ليست الوحيدة التي يكتنفها الغموض، بل لا تزال عدة قضايا مماثلة تسودها الضبابية وتشوبها تعقيدات كثيرة عرقلت سير التحقيق، آخرها تعود وقائعها إلى 15 سبتمبر الماضي، حين توارى الطفل أنيس برجم ذو 5 سنوات والقاطن بولاية ميلة عن الأنظار، وبعد 15 يوما تم العثور على جثته مرمية داخل قناة لصرف المياه بالقرب من المنزل العائلي. وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، لم يتم الكشف عن مرتكب الجريمة الشنعاء التي شغلت الرأي العام في جميع ربوع الوطن.والغريب في القضية، أن وكيل الجمهورية لمحكمة ميلة كان قد كشف أن النتائج بينت بأنه لا توجد أي كسور أو عنف على جثة الضحية، موضحا بأن التحقيق متواصل من أجل الكشف عن ملابسات القضية، دون استبعاد أي فرضية، متوعدا بإنزال عقوبات صارمة ضد من يثبت تورطه في وفاة أنيس برجم.ولم يتم الإعلان عن تفاصيل الكشف عن الجثة ولا عن الطريقة التي توفي بها الطفل أنيس، ليبقى التأكد من كل الملابسات التي تحيط بلغز وفاة أنيس عن طريق الأدلة العلمية بعد صدور نتائج تحاليل الحمص النووي من المخبر المركزي للشرطة العلمية والتقنية بالعاصمة.10 سنوات على اختطاف واغتصاب شهيناز... ولكنولا يزال مقتل الطفلة شهيناز مودار، ابنة 14 ربيعا، لغزا يحير الجميع؛ إذ بعد عشر سنوات من هذه الجريمة، قررت العدالة طيّ ملف القضية بتقييدها ضد مجهول.ولقيت الطفلة شهيناز حتفها بعد أن تم اختطافها من قبل مجهولين يوم 2 أكتوبر 2005، وهي في طريق عودتها من المدرسة، عبر الطريق السريع بحي “لاكوت” في بئر مراد رايس متخطية “طريق الكهف”، لتصل سريعا إلى منزلها، ليعثر عليها صبيحة اليوم الموالي جثة هامدة، وهي ملقاة بأسفل غير بعيد عن منزلها.ماذا حدث؟عُثر على شهيناز ملقاة أسفل طريق “الكهف” على بعد 250 متر عن بيتها، ثيابها كانت ممزقة لا تستر الكثير من جسدها الذي تعرّض للاغتصاب. ولم يكتفِ الجاني أو الجناة بهذا، بل شوّهوا جسدها بـ15 طعنة، ليتأكدوا من أن ضحيتهم أخذت سرّ ما حدث لها إلى قبرها. وفتحت مصالح الأمن تحقيقا بعد العثور على جثة الطفلة شهيناز، غير أنه كان يدور في حلقة مفرغة تصل دائما إلى طريق مسدود، لا دليل، لا مشتبه فيه، ولا بصيص أمل للعثور على المتورطين، وفي الأخير طوت العدالة ملف القضية؟!     بوجمعة غشير لـ “الخبر”“اعتماد الطرق التقليدية يعطّل سير التحقيق” أرجع الحقوقي والمحامي، بوجمعة غشير، تأخر التحقيق في الكثير من القضايا إلى الطرق التقليدية المعتمدة في التحقيق، وضعف التغطية الأمنية من حيث الاستعلامات في جميع الأحياء عبر الوطن، ما يعطل سير التحقيق.وأبرز الأستاذ بوجمعة غشير في تصريح لـ “الخبر”، أن الطرق التقليدية المتبعة حاليا في التحقيق بحاجة لمراجعة وعصرنة: “لأنها لا تؤدي إلى أي نتيجة”.كما أشار محدثنا إلى ضعف التغطية الأمنية في جميع الأحياء عبر الوطن، ما يعطل الوصول إلى المعلومة، وأوضح حول هذه النقطة “لا أقصد بالتغطية الأمنية شرطيا في كل حي، لكن الشرطة الخاصة بالاستعلامات وتزويد مصالح الأمن بمختلف فروعها بالوسائل العصرية لجمع المعلومات والاتصال المباشر بالسكان، وجمع المعلومات عن المشتبه فيهم، حتى يكون التحقيق أسرع في حال حدوث أي جريمة”.وذكر محدثنا أن هناك الكثير من القضايا العالقة بسبب تأخر التحقيق، ما يدفع بالقضاة إلى إصدار أمر بانتفاء وجه الدعوى إلى حين صدور أدلة جديدة.المحامي بهلولي لـ”الخبر”“تأخر التحقيق تفرضه طبيعة القضايا”اعتبر المحامي بهلولي إبراهيم تأخر التحقيق والفصل في الكثير من القضايا العالقة، أمرا عاديا تفرضه الإجراءات القانونية وطبيعة القضايا، خاصة ذات الطابع الجنائي التي تتطلب تحقيقا معمقا.وأوضح الأستاذ بهلولي في تصريح لـ“الخبر” أن هناك جملة من الإجراءات القانونية التي يفرضها التحقيق القضائي، من شأنها أن تؤخر الكشف عن ملابسات القضية، مبرزا “البحث الاجتماعي الذي يأمر به قاضي التحقيق يمكن أن يستغرق وقتا طويلا، إضافة إلى بعض المسائل التقنية، كانتداب خبرة فنية مثل الطب الشرعي، ويتطلب الأمر الكثير من الإجراءات والمراسلات، ثم تبليغ الأطراف، ثم الطعون التي تقدمها الأطراف، وغيرها”.وأضاف الأستاذ بهلولي أن هناك الكثير من الأمور والمعطيات التي تكشف أثناء سريات التحقيق: “فالخبرة الفنية قد تكشف معطيات جديدة، كما أن سماع أشخاص آخرين يفرض تأخر التحقيق، فهذه الإجراءات روتينية وعادية”.وأشار محدثنا إلى أن التسرع في التحقيق لا يخدم القضية، مردفا “الإسراع في الانتهاء من التحقيق أحيانا يؤثر على القضية، فالتحقيق قد يكون ناقصا، خاصة في القضايا الجنائية التي قد تصل فيها العقوبات إلى الإعدام”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات