+ -

يرى المحلل السياسي التركي الدكتور محمد العادل أن فوز حزب العدالة والتنمية الذي بدأ مشروع المصالحة بين تركيا والعالم العربي والإسلامي، سيدعم ويدفع العلاقات على كل المستويات، وأكد في حوار مع “الخبر” أن المسألة الكردية ليست عاملا مؤثرا على موقف تركيا في المسألة السورية التي ستبقى حاضرة بشكل كبير في السياسة التركية، وأن تركيا تدرك أن إيران دولة جارة وقوة إقليمية، لذا لا يمكن حدوث تصادم بينهما بأي حال من الأحوال.دخلت تركيا أردوغان في رهانات سياسية إقليمية، إلا أنها أيضا متهمة بازدواجية سياسية بين محاربة حزب العمال الكردستاني ومواجهة أي تقارب مع أكراد العراق، ومن جانب آخر دعم المعارضة المسلحة في سوريا، ألا ترى أن ذلك غير منطقي؟ في تقديري يجب الفصل بين المسألة السورية ومحاربة الحركات المسلحة أو حزب العمال الكردستاني الذي تصفه أنقرة بالإرهابي، حزب العمال الكردستاني حمل السلاح منذ مطلع الثمانينيات وكان لديه حلم كبير هو تأسيس كيان كردي داخل تركيا، لكن رغم طول المدة لم يستطع أن يحقق ولو جزءا من حلمه، الدولة التركية لم تسمح بذلك لأن كيان مقومات الدولة الكردية غير متوفرة في تركيا كما هو الحال في شمال العراق، فالأكراد في تركيا لا يزيد تعدادهم عن 8 إلى 10%، وهم منتشرون في معظم المدن التركية وإن كانت ديار بكر هي التي تضم الأغلبية، لكن لا نستطيع أن نقول إن هناك كيانا كرديا متجانسا في الجغرافيا التركية كما هو الحال في منطقة شمال العراق. وبعد وصول حكومة العدالة والتنمية للسلطة في تركيا، قادت عملية مصالحة سياسية، وقامت بالتحاور بالفعل مع هذا التنظيم في إطار البحث عن حل سياسي وسلمي للمسألة الكردية، لكن يبدو لي أن حزب العمال الكردستاني وشركاءه من الأطراف السياسية الأخرى لم يقرؤوا الساحة جيدا، واعتقدوا أن نتائج الانتخابات ما قبل الأخيرة وغيرها كأنها حالة ضعف لحزب العدالة والتنمية والدولة التركية، فأرادوا أن يستثمروا في ما اعتبروه “فرصة”، وكانت تلك حسابات خاطئة، لأن الدولة التركية قوية وقوتها لا تحسب بقوة حكومتها ولكن بقوة مؤسساتها.كيف ترى مستقبل العلاقات العربية التركية مع فوز حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي، في الانتخابات المبكرة، في ظل القطيعة العربية مع التيار؟ لا شك أن فوز حزب العدالة والتنمية الذي بدأ مشروع المصالحة بين تركيا والعالم العربي والإسلامي، وطرح نموذجا للمصالحة التركية العربية في إطار الندية والمصالح المشتركة، سيدعم ويدفع العلاقات على كل المستويات، ولكنه دون شك مرتبط بأمرين أساسيين: الأول أن يعدل الحزب من خطابه السياسي في التعاطي مع القضايا الإقليمية مثل مصر وسوريا وليبيا وقضايا الربيع العربي، حيث يتعين أن يكون حذرا في التعاطي مع محيطه الإقليمي ومع مختلف الملفات، ويجب على الخطاب العربي من النخب السياسية والإعلامية أن يتعامل بإيجابية مع تركيا، وألا ينظر إليها كطرف معادٍ يريد الهيمنة أو له حسابات في المنطقة، فهذا في الحقيقة مجرد أوهام، لأن تركيا تطرح نفسها كشريك لدول المنطقة العربية والإفريقية، ولا تطرح نفسها إطلاقا كطرف مهيمن أو تريد أن تفرض نفسها على المنطقة العربية والإسلامية والإفريقية، وبفوز الحزب أعتقد أن العلاقات التركية العربية ستتقدم إلى الأمام بهذين الشرطين، وأعتقد أن حزب العدالة والتنمية استوعب الأمرين.يبدو الموقف التركي تجاه النظام السوري باهتا، رغم التصريحات والتعاطف الإنساني مع اللاجئين، ما تقييمك لهذا الموقف؟ الموقف الرسمي للدولة التركية إزاء النظام السوري واضح، فهي تعتقد أن نظام بشار الأسد فاقد للشرعية، وأن النظام يمارس الظلم والاضطهاد على شعبه ولا مجال لبقائه، هذا الموقف معلن سياسيا ومن خلال الدعم التركي المباشر والواضح للمعارضة السورية، نعم قد تكون تركيا انشغلت بالملف الداخلي مؤخرا، وأقصد هنا ملف الإرهاب، فحالة الغموض السياسي بسبب نتائج الانتخابات السابقة تجعل أي حزب أو حكومة تولي أهمية لملفاتها الداخلية، ولكن يجب التأكيد أن الملف السوري ذو أولوية في الحسابات التركية، لأنه متصل مباشرة مع الأمن القومي التركي وحساباته. والملفان السوري والعراقي مهمان، فهذان البلدان لهما حدود مع تركيا، وما يحصل فيهما ينعكس بصفة مباشرة على تركيا أمنيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فيبقى الملف السوري حاضرا بقوة، ولا نتوقع أن يتغير الموقف التركي من مسألة النظام، رغم أنهم يروجون الآن لحلول ومبادرات خاصة من إيران وروسيا من أجل الإبقاء على شكل النظام السوري، ومشاركة رمزية للمعارضة، إلا أن تركيا ترفض هذا الإطار شكلا ومضمونا، وترفضه المعارضة السورية، ولا نتوقع أن يحدث أي تغيير في الموقف التركي من المسألة السورية، فتركيا منحازة للشعب السوري والثورة السورية وإلى خيار الشعب السوري.ما الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في المساهمة في إعادة الاستقرار السياسي في سوريا؟ وألا تعتقد أن تركيا وقفت تتفرج على تقاتل السوريين فيما بينهم؟ يجب الاعتراف بأن قدرات تركيا تبقى محدودة، ويبدو لي أن النخب العربية تحملها أكثر من قدراتها وإمكاناتها المالية والعسكرية وغيرها، ولا شك أن استضافة قرابة 2 مليون من اللاجئين المعلنين في المخيمات يكلف تركيا ميزانية ضخمة، وهناك تداعيات أمنية أيضا. تركيا لا تسميهم “لاجئين” بل “مهاجرين” و«ضيوفا” في هذا الخطاب الرسمي، ولا يسمى الأشقاء السوريون لاجئين في الإعلام أبدا، إذ لديهم رقم وطني وإقامة دائمة ويحق لهم ما يحق للمواطن التركي من علاج وتعليم وامتيازات كثيرة، وهذا لا نسمع عنه في دول أخرى استضافت السوريين، ويصعب على أي دولة أو كيان أن تحل ما يحدث بين الكيانات والمكونات السورية، لأن قناعتي الشخصية أن معظم التنظيمات مرتبطة مع أطراف إقليمية ودولية، وتحولت الساحة السورية إلى معركة بين أقطاب إقليمية ودولية كل منها له حساباته، وهذه حقيقة، فلا يجب أن نلوم تركيا وننتظر منها حل هذه المسألة، فتركيا اختارت صفها وانحازت إلى الشعب السوري بهدف الإطاحة بالنظام وإقامة نظام تعددي يستوعب كل كيانات وفسيفساء الشعب السوري. تركيا احتضنت اللاجئين السوريين ووفرت لهم إمكانات ضخمة، وكل التقارير الدولية والمراقبين يؤكدون عدم وجود أي تضييق عليهم. أما بخصوص الهجرة وقوارب الموت، فالأشقاء السوريون بعد أن ضاقت بهم السبل يختارون قوارب الموت، ليس بتوجيه من تركيا أو نتيجة يسميه البعض تضييقات تركية، فهذا مخالف للواقع والحقيقة.هل للمسألة الكردية دور في الموقف التركي تجاه القضية السورية؟ وما موقع تركيا من الاتفاق النووي الإيراني؟ خاصة أن أنقرة لها ملفات خلافية مع هذه الدول، منها مناطق الاسكندرونة الحدودية مع سوريا وملف المياه مع العراق وسوريا.. أقول إن المسألة الكردية ليست عاملا مؤثرا على موقف تركيا في المسألة السورية التي ستبقى حاضرة بشكل كبير في السياسة التركية، ولا نتوقع أي تغيير كبير. أما بالنسبة للملف النووي الإيراني، فإن تركيا تدرك بأن إيران دولة جارة ومحورية وقوة إقليمية، والمفارقة العجيبة أن أنقرة وطهران كل منهما يدرك قوة الآخر، وكل جانب يحرص على تفادي الصدام مع الطرف الآخر، رغم أنهما يتنافسان إقليميا في الملف السوري والعراق ومنطقة الخليج، أي التنافس على المصالح السياسية والاقتصادية وليس شيئا آخر. السياسة التركية ترى بأن إيران دولة مهمة، والاختلاف لا يجب أن يكون عاملا للصدام المباشر بين الدولتين، لأن هناك حدودا ومصالح مشتركة بينهما، لذا نسميهم “أصدقاء الداء”. فعلا هما يتنافسان كذلك في كثير من الملفات، كما في الملفين السوري والعراقي، ولكن كل طرف يعي أهمية الطرف الآخر ولا يجب التصادم لأي سبب كان، مهما حاولت الأطراف الإقليمية أن تدفع الطرفين لذلك.أما الخلافات الحدودية بين العراق وسوريا فهذه مسألة انتهت وبقيت في بعض الكتب القديمة، وليس هناك بلد عاش حالة الاستعمار، وليس هناك خلافات حدودية، فمسألة الاسكندرونة حسمت في مجال القانون الدولي وحتى الكتب الدراسية ومناهج التعليم، فلا مصلحة لسوريا وتركيا في إعادة طرح مثل هذه الملفات. أما بالنسبة لقضايا المياه فهو أمر طبيعي يحتاج مزيدا من الحوار، ومن حق سوريا والعراق التمتع بحصة عادلة من المياه المشتركة، فهي مسألة يمكن أن تحل في إطار حوار سياسي أخوي، ولا تشكل عائقا ولا تبقى عالقة أبدا.تركيا لعبت خلال الفترة العثمانية على تنمية وتعزيز الجانب السياسي في المنطقة ثم تهاوت. متى يفيق هذا الرجل الماضي ومتى يعود؟ يجب ندرك أن المسألة العثمانية تثير جدلا كبيرا حتى داخل الساحة التركية، فقسم كبير من المدرسة الكمالية وتلاميذها النجباء غير متحمسين وغير معتزين بتاريخ الدولة العثمانية، أما الجيل الجديد من العشرينية فلديهم حنين وتمجيد لتاريخ الدولة العثمانية، ليس بالداخل التركي فحسب بل وخارجه أيضا، وهذا التيار الذي ينتمي إليه أردوغان ورفاقه هو مدرسة فكرية قبل أن يكون حزبا، فهذا الاتجاه يتعاظم ويعرف حضور وتوسعا كبيرين، هذا مؤشر واضح بأنها ستصوغ الحياة السياسية بهذه المعاني، من خلال العودة إلى هذا التراث والتاريخ، لا أقصد بذلك المعنى السياسي بل الثقافي والحضاري والهوية، لأن تركيا كانت تعيش أزمة حضارية وثقافية وأزمة هوية بسبب تخلي المدرسة الكمالية عن هذا التاريخ، فالمرحلة الحالية ومؤشراتها المقبلة تؤكد بأن هناك قابلية لدى تركيا بأن تعيد هذه الأمجاد ليس سياسيا، بل في إطار يخدم الأمة ومعاني الوحدة للعالم الإسلامي لا بالمعنى السياسي، ولكن في إطار الشراكة الاقتصادية ومزيد من التقارب بين الشعوب الإسلامية، وفي إطار المصالحة بين تركيا ومحيطها العربي والإسلامي والإفريقي، وحين تطرح العثمانية الجديدة لا تطرح بمعناها السياسي بل الحضاري والهوية لتستلهم من الماضي لصناعة المستقبل.توجه انتقادات للدور التركي في ليبيا مع تشكيلها محورا داعما مع قطر للإخوان المسلمين وفجر ليبيا وبرلمان طرابلس، وصلت إلى حد الدعم المادي بالسلاح واللوجستيك والاستخبارات. ما الذي يدفع أنقرة إلى تبني مثل هذا التوجه؟ لا شك أن الملف الليبي معقد جدا، ويبدو لي أن الساسة والخبراء الأتراك لم يقرؤوا الحالة الليبية قراءة دقيقة، وهذا انعكس على المواقف التركية فيما بعد، أنا لا أرى أن لتركيا تحالفا مع الإخوان أو مع غيره، فحتى مع الأطراف الليبية الأخرى لم يكن هناك تقارب أو قراءة دقيقة لمجريات الأمور، وبدا الموقف التركي غير واضح بخصوص الملف الليبي حتى وصف بالتناقض، ولكن تركيا في المرحلة الأخيرة بدأت تتوازن في المسألة الليبية، وتستقبل وتتحاور مع كافة الأطراف بمن فيهم القبائل الليبية والأطراف غير المسيَّسة، وبدأت تلعب دورا إيجابيا، فقد سبق لتركيا أن دعمت محطات الحوار التي جرت في الجزائر والمغرب ودول أخرى، لكونها تدعم الحل السياسي السلمي للمسألة الليبية بما يختاره الشعب والطيف السياسي الليبي، فتركيا ليس من مصلحتها أن تكون طرفا في المسألة الليبية أو داعمة لطرف معين، وما يروج بأن هناك تحالفا قطريا تركيا لطرف ضد آخر حديث إعلامي لا يؤكده الواقع السياسي، وهذا ترويج من أطراف إقليمية لها مصالحها في الساحة الليبية، فتركيا أكدت أن أمن دول المنطقة المغاربية هو عمق استراتيجي، والجرح الليبي يمثل نزيفا للمنطقة ولإفريقيا وحتى حوض المتوسط، بالتهديدات بتسريب السلاح والهجرة غير المنظمة، فهي تسعى إيجابيا للتوصل لحل سلمي، فاستمرار الأزمة في ليبيا تهديد لأمن ومصالح تركيا في المنطقة، خاصة بالنسبة للدول المغاربية المحاذية لليبيا.لكن هناك توجسا من الموقف التركي تجاه العالم العربي، بين الجوار والمصالح المشتركة والحنين للخلافة التي صرح بها الرئيس أردوغان، ما رأيك؟ في تقديري الإعلام العربي هو وحده من يتحدث عن العثمانيين الجدد أو العثمانية الجديدة أو أحلام العثمانيين، لا يوجد هذا الخطاب إطلاقا في الوسط الإعلامي والنخب السياسية في تركيا، أعتقد أن أردوغان حينما يطرح قضية الدولة العثمانية إنما يطرحها في روح المسألة العثمانية، فيرى أن شعوب المنطقة العربية والإسلامية بحاجة إلى روح المسألة العثمانية، أي روح الوحدة، وأن تكون منسجمة فيما بينها، ولا يعني ذلك أن تركيا لديها أطماع في الدول العربية جغرافيا وغيرها، بل طرحت منذ 2003 مشروعا للمصالحة التاريخية بين تركيا ومحيطها العربي، في إطار الشراكة الندية على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، ويبدو لي، بصفتي معنيا بتطوير العلاقات التركية العربية وليس انحيازا، أن تركيا كانت واضحة تماما في رؤيتها لطرح نموذج للشراكة بين تركيا والعرب في إطار الندية والمصالح المشتركة، بعيدا عن التراكم التاريخي، ولكن النخب العربية في قسم منها كانت منبهرة انبهارا مبالغا فيه بالتجربة التركية، وقسم آخر كان مترددا إلى درجة التخوف حيال التوجه التركي، وهنا أطرح سؤالا: لماذا ينشغل العرب بطرح تساؤل: لماذا تتوجه إلينا تركيا؟ في حين أرى أنه كان يتعين على النخب العربية أن تنشغل بطرح السؤال التالي: كيف نستثمر التوجه التركي في خدمة القضايا العربية والتنمية والمصالح العربية والأمن في البلاد العربية؟ 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات