"أبِدَعْوَى الجاهلية، وأنا بين أَظْهُرِكُم"

+ -

روى ابن هشام في السِّيرة النّبويّة والطبري والبغوي والشّوكاني وابن المُنْذِر وغيرهم، عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: مرَّ شاس بن قيس -وكان شيخًا (يهوديًا) قد بقي على جاهليته، عظيمَ الكفر، شديدَ الضغن (الحِقد) على المسلمين شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلْفَتِهم، وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الّذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قَيْلَة -الأوس والخزرج- بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتًى شابًا معه من يهود، فقال: اعمُد إليهم، فاجلس معهم، ثمّ ذكّرهم يوم بُعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا قالوا فيه من الأشعار.. وكان يوم بُعَاث قبل الهجرة بثلاث سنين يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظّفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل، فتكلّم القوم عند ذلك، وتنازعوا، وتفاخروا حتّى تواثب رجلان من الحيين: أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فقال أحدهما لصاحبه: إنْ شِئتم والله رددناها الآن جَذَعَة (حربًا)، وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السّلاحَ السّلاحَ.. موعدكم الحَرَّة (مكان في المدينة)، فخرجوا إليها، وانضمّت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم الّتي كانوا عليها في الجاهلية.فبلغ ذلك رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج إليهم فيمَن معه من المهاجرين من أصحابه حتّى جاءهم، فقال: ”يا معشر المسلمين! الله، الله.. أبِدَعْوَى الجاهلية، وأنا بين أَظْهُرِكُم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمَكُم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفّارًا؟”.فعرف القوم أنّها نزغة من الشّيطان، وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السّلاح، وبكوا، وعانق بعضهم بعضًا، ثمّ انصرفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عزّ وجلّ عنهم كيد عدوّ الله شاس، وأنزل الله في شأن شاس بن قيس وما صنع قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} آل عمران:98-99، وأنزل في شأن أوس بن قيظي وجبّار بن صخر ومَن كان معهما من قومهما الّذين صنعوا ما صنعوا قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} آل عمران:100، إلى قوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} آل عمران:105.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات