"عشت في إسرائيل واكتشفت بأنها عنصرية وإرهابية"

38serv

+ -

يهودي الأصل، عاش في إسرائيل رفقة عائلته التي رحلت إلى مزاعم “إسرائيل” بشعار أن “فلسطين أرض الميعاد”، وحان أن يحمل جميع اليهود حقائبهم إليها. وصل جاكوب كوهين بعد عام 1948 إلى “إسرائيل” مستوطنا مع عائلته، كان شابا لم يتجاوز عمره 24 سنة، وكان مشروع قيادي إسرائيلي كبير بعد أن لمس الإسرائيليون فيه الحس السياسي، ليتم تعليمه فنون “الصهيونية”. لكن الروائي جاكوب كوهين يقول، في حواره مع “الخبر” على هامش مشاركته في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، إنه اليوم من أشد أعداء الكيان الصهيوني، إلى درجة أنه تعرض لمحاولة اغتيال في فرنسا من طرف  تيار صهيوني يجد في أفكاره خطرا وتهديدا لمشروعهم الاستعماري، كما قال الروائي الفرنكو مغربي: “إسرائيل مشروع  لا يمكن له إلا إنتاج العنف والتخريب، بنيت على القتل  والعنصرية وأرفض أن أكون جزءا منها”.تزور الجزائر في إطار الحديث عن الرواية البوليسية، هذا النوع غير معروف جدا في الجزائر، لماذا اخترت الكتابة في الرواية البوليسية؟ هذه المرة الأولى التي أزور فيها الجزائر، وهي تجربة مهمة بالنسبة لي، خصوصا أن اللقاء في إطار حدث ثقافي هام. هناك عدة أنواع من الرواية البوليسية، أنا بدأت في الكتابة جد متأخرا حوالي سن الخمسين، وكنت أعمل في مجال البحث العلمي والتدريس في الجامعة والسفر إلى عدة دول. في البداية راودتني فكرة كتابة الرواية البوليسية بمفهومها الكلاسيكي الذي يرتبط بالجريمة، ولكن مع الوقت تطورت وتوغلت في عدة مناحٍ لتصل لنقل مشاعر المأساة والعذاب عند بعض الفئات. وبالنسبة لي ومن خلال توجهي السياسي وتكويني الأكاديمي، كانت لي الرغبة في أن تكون للرواية البوليسية نكهة سياسية إيديولوجية، من خلال ربط العلاقة بين السياسة والنظام.                             بدأت الكتابة في مرحلة متأخرة لأسباب شخصية لا غير، حيث وصلت للعيش في فرنسا في ظروف خاصة وصعبة، وهناك قررت أن أتواجد بطريقة خاصة وكانت الفكرة من خلال الكتابة، وتزامن ذلك مع انتشار خبر قضية مخدرات شهيرة في المغرب سنة 2003. شخصيات الرواية في العادة تفرض نفسها على الكاتب وتتحكم فيه، وفي هذه الحكاية وجدت خيوطا سياسية وارتباطها مع نظريات المؤامرة، حيث إن الواقعة لم تكن عادية بل لها علاقة بشخصيات بارزة في المغرب، وهذا ما زاد من شد انتباهي.الانطلاق في كتابة الرواية في سن الخمسين، إلى أي مدى كان الأمر صعبا؟ بلا شك الأمر صعب، وهذا لا يعني أنني أتحدث عن غياب الموهبة ولكن المرحلة تحتاج لتحضير خاص،  إلا أن الأمر الذي دفعني وشجعني هو أنني طوال المرحلة الماضية كنت أطالع كثيرا كما أنني انشغلت في كتابة عدة أعمال أكاديمية، إذن لم أكن بعيدا بالمفهوم الكامل عن عالم الكتابة، لكن الصعوبة عندما يتعلق الأمر بعمل إبداعي كالرواية، حيث يجب على كل واحد أن يجد أسلوبه الخاص وأن يقوم بالتقليد، أن تقلد الآخرين فإننا لا نصل إلى نتيجة حقيقية في النهاية، هنا روائيون كبار أمثال فرديناند سيلين، ولكن لا أحد يمكنه أن يكون سيلين في النهاية، لأن التقليد سيصنع منتوجا سيئا ولن يكون المقلد أحسن من الأصل. إلى غاية الآن كتبت عشرات الروايات، منها حول الجوسسة. أعتقد أن استقرار الموساد والمخابرات الأمريكية في المغرب ومحاولات السيطرة على الحكم هناك من خلال تصفية القيادات الأمنية المغربية أو دفعها للاستقالة من خلال الفضيحة، وبهذا الشكل السردي الذي أوردته في روايتي، كنت أقصد دحض نظرية أن الأجهزة الاستخباراتية تتمتع بالقوة التي لا تقهر.هل لهذه الأسباب تعرضت للاعتداء من قبل الصهاينة؟ نعم، تعرضت مرتين للاعتداء من قبل صهاينة متطرفين، الأمر كان بعد روايتي الأولى وأيضا من خلال تصريحاتي التي كنت أطلقها خلال الندوات في فرنسا، ومواقفي المعروفة المناهضة لإسرائيل، رغم أنني يهودي الأصل، تشكل لي عدة مشاكل ومضايقات، حيث تعرضت للاعتداء سنة 2012، كما أن التضييق علي مستمر. الموساد في خمسينيات القرن الماضي قام بإنشاء جهاز صهيوني قوي جدا في فرنسا، ويملك من القوة ما يكفيه للتعتيم على من يخالفه الرأي، وهذا ما أشرحه في كتابي، حيث إن إسرائيل تعتمد على قوة الإعلام، والمنظمة الصهيونية وحدها تضم في عضويتها 500 ألف عضو في العالم يعملون في أوروبا، هم أشخاص يقومون بدعم الكتاب والروائيين والمفكرين الذين يخدمون بأفكارهم الكيان الصهيوني، ويصل الدعم إلى المال ويقومون في المقابل بتشويه صورة من يخالفهم الرأي. إنه جهاز قوي جدا ولا يقاوم، لن تستطيع المرور عبر القنوات الإعلامية الفرنسية الكبيرة دون موافقة منه.كيف يمكن للفنان أو الكاتب أن يساعد إسرائيل؟ أعطيك بعض الأمثلة التي عايشتها في فرنسا، الكاتب والناشر “ماريان سيغو” عندما أراد نشر كتاب يدعم القضية الفلسطينية في فرنسا، تمت الموافقة على نشر الكتاب، ولكن عند عملية توزيعه، تم قطع الطريق أمامه ولم يتم توزيع الكتاب. هناك عدة أمثلة نعيشها اليوم، ربما الفنان ديودوني أشهرهم. عالم السينما والإشهار والكتاب في فرنسا وأوروبا يخضع لهذا القانون، صحيح هناك إصدارات تصب في صالح القضية الفلسطينية، لكن السؤال كيف يتم الترويج لها؟ القنوات التي تفتح أبوابها لها وتتبناها هي بشكل عام قنوات صغيرة وصحف صغيرة لا تأثير لها بالمعنى الحقيقي على الرأي العام في فرنسا.أنت مغربي من أصول يهودية، لماذا اخترت أن تكون ضد إسرائيل وقيام هذه الدولة؟ لا نعلم لماذا نتطور في حقيقة الأمر، كل واحد لديه قدر، أتذكر عندما كنت شابا كنت ضمن منظمة صهيونية متطرفة تريد تكوين قيادات لتقود “إسرائيل”، كان عمري حينها 24 سنة وكنت جد متحمس للفكرة، وحين قرر والدي السفر للعيش في إسرائيل رحلت معهم، وعشنا هناك لفترة من الزمن، ولكن اكتشفت أن هناك عنصرية كبيرة بين الصهاينة وبين الإسرائيليين، كانوا ينظرون إلى اليهود من أصول مغربية على أساس أنهم يهود من الدرجة الثانية، كان ذلك سنة 1969، حتى الموسيقى المغربية لم يكن مرحبا بها، مثل اليهود الأشكناز في إسرائيل. اليهود أنواع وبالنسبة ليهود المغرب هم أشبه بـ«الأنديجان” في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية، لم تكن إلا قناعات مبدئية، ولم تكن أساسية إلى حين أن غادرت إسرائيل وقررت البحث أكثر في السياسة الصهيونية التي أصبحت متخصصا فيها وعمري 45 سنة، وتحولت إلى مناهض معروف للكيان الصهيوني، وقد تعرضت للاعتداء من طرف منظمات صهيونية عدة مرّات في فرنسا. غلطة تاريخية كبيرة، بل أقول إن فكرة تأسيس دولة يهودية متطرفة لا تنتج إلا العنف وهي فكرة مؤسسة معادية للسلام وفق إيديولوجيات متطرفة لها تأثير سلبي على جميع اليهود في العالم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات