+ -

 منذ سنوات قال لي أحد المسؤولين السابقين إن السلطة في الجزائر لن تفكر في مسألة بناء دولة بمؤسسات وباقتصاد إلا إذا أصبح بترولها غورا أو تدهورت أسعاره إلى حد الأزمة. وقتها نظرت فيه شزرا وأنا أقول له في قلبي “فالك في ذفارك”! مازال خبز الشعب.. تريد قطعه عنه بسبب مغادرتك للسلطة؟!اليوم أصبحت أنا أيضا على قناعة بأن تدهور أسعار البترول قد يكون خدمة للجزائر.. تماما مثلما كانت مجاعة 1945 و”عام العرى” الذي صاحبها سببا في أن يفكر الشعب وقادته في موضوع النقلة النوعية بالحركة الوطنية من حالة الكفاح باليأس السياسي إلى حالة التفكير في تخليص البلاد بالكفاح المسلح.. فكانت منظمة “لوص” وبعدها كان نوفمبر..أتذكر أننا كأطفال في الخمسينات كنا ننشد أناشيد وطنية لها علاقة مباشرة بالجوع والعري الذي يأكل لحم الشعب الجزائري في القرى والأرياف، كنا ننشد مثلا هذا النشيد دون أن نعرف معناه:فرنسا تعڤب في الحياة              وتصنع فالسياراتواحنا نصنا ضاع ومات            غير بالهم والميزريةيالي تحب لافريك دينور           شارك في الوطنيةدافع على الدرابوا المنصور           تاع الدولة الجزائريةعلامنا أخضر حرير                 لاحتو فرنسا في بيرنوضوا ليه كبير وصغير            نحِيوا عليه الغبينةاليوم لابد من صدمة جوع وحرمان أكثر مما هي الآن، تصيب هذا الشعب وشبابه بصفة خاصة كي يفيق على أحواله... ويأخذ مصيره بيده ويحوّل وطنية الأمس التي كانت تحرير البلاد إلى وطنية جديدة وهي بناء البلد. ومثلما حلم شباب نوفمبر بتحرير البلاد في الأربعينيات والخمسينيات وحقق الحلم المستحيل بالثورة أولا على شيوخ الحركة الوطنية ثم على فرنسا، فمن حق شباب اليوم بل من واجبه أن يثور على عرائس الڤرڤوز الذين يحكمون هذا البلد، ويأخذ بيده مصيره ويضع نصب عينيه حقه في بناء وطنه... لأن الوطنية اليوم هي بناء الوطن ولا شيء غير ذلك. الوطنية ليست تعلّم اللغات والهجرة، بل تعلّم المهارات والبقاء في الوطن.. منذ يومين علمت أن حركة جدية بدأت في أوساط الصحافيين بسبب المشاكل المادية التي أصبحت تعانيها المؤسسات الإعلامية الشكلية التي شيّدها كولونيل المناكد الصحفية قبل سنوات بالأموال العمومية المهربة بواسطة شركة الإشهار “لاناب”، وأن هذه الأموال التي ساعدت المفسدين على إفساد القطاع قد كشّت اليوم بسبب انخفاض الإشهار العمومي إلى 70%، ما أحدث أزمة عند المستفيدين من الريع الفسادي... وما كان هذا ليحصل لو لم تتدهور أسعار البترول.ولهذا لعل الأمر فيه منفعة من حيث ندري أو لا ندري، فقد تؤدي الأزمة المالية إلى التفكير الجدي في مهنية الصحافة، وقد يؤدي الأمر إلى التفكير في مهنية السلطة نفسها.. هذا هو الحل.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات