أفاد الأستاذ والباحث في التاريخ بجامعة الجزائر، محند أرزقي فراد، بأن “الاتهامات المتبادلة التي ظهرت في السنوات الأخيرة سببها الرئيسي غياب الوعي التاريخي. وصحيح أن ظرفا سياسيا واجتماعيا معيّنا جعل من هؤلاء (المجاهدين) عظماء عندما ثاروا ضد الاستعمار، فصنعوا مجدا، لكنه مجد يحتاج إلى رعاية سليمة. والمجاهدون صحيح أيضا أنهم ساهموا في صناعة التاريخ، لكنهم لا يملكون الوعي التاريخي ولا يدركون أهمية التاريخ”.وذكر فراد أن “التاريخ يوظف من أجل بناء المجتمعات والأمم، ولا يُوظف كسلاح لتصفية الحسابات. ثم إن المذكرات ليست تاريخا وإنّما معلومات تُستقى من مجاهد بعدما يبلغ من العمر عتيا، وبهدوء وتعقل يكتب المذكرات والحقائق خلال حقبة الثورة، يعني أن هناك نضجا في تقديم تلك المعلومات المهمة للمؤرخين، بحكم أن المذكرات عامل أساسي في كتابة التاريخ”.ويتأسف محدثنا لـ”غياب الوعي التاريخي لدى بعض المجاهدين الذين صاروا يوظفون التاريخ لتصفية الحسابات، وهو سلوك لا يشرفهم ولا يشرف الثورة، بل يخدش قدسيتها ويجعل الجيل الجديد ينظر بعين السخط إلى تاريخنا، فهم ليس لهم وعي بأنهم عظماء، فالذي يصدر الأحكام ليس المجاهد وكتابة التاريخ هي الأخرى ليست أحكاما، بل هي إعادة بناء الحدث التاريخي، ولا يمكن أبدا الاعتماد على الماضي مائة بالمائة عند محاولة كتابة التاريخ”.وضرب فراد “مثالا بأحداث 17 أكتوبر 1961 بباريس، فمشاركة الجزائريين كانت محل نقد، فهناك من اعتبرها مشاركة بالآلاف، وآخر قال إنهم كانوا عددا قليلا يعد على الأصابع”، مشيرا إلى أنه “من دواعي الأسف أن غالبية المجاهدين بلغوا عمرا طويلا، وهنا أقدم نصيحة للإعلاميين بغربلة ما يقوله هؤلاء، ففي سنهم تكبر مساحة العاطفة والنسيان وتقل مساحة العقل، فلعامل السن تأثير على ما يقوله المجاهدون”.تساهم الاتهامات بين بعض صناع الثورة التحريرية ومجاهديها بـ”الخيانة”، بشكل غير مباشر، في تشويه صورة الثورة وشهدائها وحتى مجاهديها ممن اختاروا الانزواء بعيدا عن الأضواء . وحتى إن كان لكل ثورة “أخطاؤها”، إلا أن ثورة الجزائر كانت ولاتزال مثلا يُقتدى به، وتُدرس في النظام التربوي قصد “تربية” النشء على مجدها وعظمة صناعها.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات